في المدينة الْمُنَوَّرَة أَوْضَحَ فضيلة إمام وخطيب المسجد النَبَوِيّ الشيخ عبدالباري الثبيتي أن الإسلام كرم البشرية بمعاني الحياة المطمئنة والأمان والسلام، واتسمت الشريعة وأحكامها بالشمولية، وأحاطت الأمة بسياج القيم الذي يحرس كل جوانبها ويدعوها إلى مكارم الأَخْلَاق ومحاسن الأَعْمَال، ويسمو بها عن سفاسف السلوك وسيئ الصفات قَالَ تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً). وقال الشيخ الثبيتي في خطبة الْجُمُعَة بالمسجد النَبَوِيّ، اليوم: "إن تعاليم الإسلام حاصرت الجريمة بتربية المجتمع على القيم النبيلة وبناء الوازع الأَخْلَاقيّ، وأوجبت الشريعة الحدود والقِصَاص والتعزير لأمن المجتمع كله، قَالَ تعالى: (ولكم في القِصَاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون)، مُبَيِّنَاً أن من الجرائم التي تئن المجتمعات من ويلاتها ويجمع العقلاء على أهمية رفد واقعها جريمة التحرش بالأعراض التي تفضي إلى الوقوع في المحظور بالغواية والإيذاء والخداع وهو سلوك منبوذ وإفساد مقيت يعمل على تهييج العواطف وإثارة الغرائز، مُؤكِّدَاً أن هذه الجريمة لها أضرار بليغة يكمن ضررها الأكبر في الوقوع فيما حرم الله وزعزعة المجتمع والأمْراض النفسية للضحية التي قد تصل إلى الانزلاق في دركات الشر أو الانتحار، وقال: "إن ردع المتحرشين المستهترين العابثين واجب شرعي وضرورة اجْتِمَاعِيّة، قَالَ الله تعالى: (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً كبيراً)، وقال صَلَّى الَّلهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة من ودعه أو تركه الناس اتقاء فحشه))؛ إِذْ إِنَّ تجريم التحرش والتصدي له عمل جليل وفيه إِقَامَة لحكم الله بردع من يريد الإفساد في الأرض ويضرم نيران الفتن ويزعزع الأمن ويتمادى في الباطل". وَتَابَعَ يقول: "إن جريمة التحرش تتخذ صوراً عديدة وممارسات متنوعة تبدأ بالألفاظ البذيئة والعبارات الساقطة التي يتبجح بها مرتكبوها، قَالَ صَلَّى الَّلهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إياكم والفحش فإن الله لا يحب الفاحش والمتفحش))، وقال: ((ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء))؛ إِذْ إِنَّ التحرش داء يستشري في ميدان ويطرق كل السبل وازداد توسعاً في واقع الفضاء الافْتِرَاضي الذي تجاوز المكان والزمان بحيل لم تعهد ومكر لم يعرف؛ فعاث في القلوب فساداً ولوث العقول وأفسد الفطر السوية. وبين أن من صور التحرش التفاعل مع مقاطع الرذيلة في مواقع التواصل الاجْتِمَاعِيّ التي فيها نشر للشر، وإشاعة للفاحشة، وتحريض فظيع وضرر بليغ لا يحد ولا يوصف، قَالَ تعالى: (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون)، مُؤكِّدَاً أن الذين يبثون هذه المقاطع ويقومون على ترويجها مآلهم وخيم، وخاتمتهم محزنة مؤلمة، أعاذنا الله وإياكم من سوء الخاتمة، قَالَ تعالى: (ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون)". وأَضَافَ: "إن أهل الشرع والفكر والرأي السديد يعلمون أن أفضل وقاية لِهَذَا المرض العضال غرس وازع الدين وتقوية الإيمان والتمسك بهدايات القُرْآن والالتزام بالتقوى قولاً وسلوكاً وغض البصر واللباس الساتر وتهذيب النفس بالعفة والخوف من الله، ولا يخفى أن الشباب طاقة متقدة وحماس متدفق وَإِذَا وجد توجيهاً واحتواءً وتمكيناً لمواهبه وقدراته يلق طريق الجادة، وارتقى بفكره واهتماماته وانخرط في العمل والبناء وهذا يُسْهِم في حماية المجتمع من التحرش، كما أن الزواج المبكر يشبع الرغبة ويملأ الفراغ ويحمي من مساوئ الأَخْلَاق، قَالَ صَلَّى الَّلهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج))، وبناء جسور الثقة بين الآبَاء والأولاد تنمي الشخصية القوية وتشجع السلوكيات السليمة وتبني معالم الرجولة ونبذ الميوعة وتربي الفتيات على الاحتشام والستر والحجاب / أما الأسر التي تترنح وترزح تحت وابل المشكلات والصراعات والتفكك فهي أرض خصبة للتحرش والمتحرشين". وَأَكَّدَ فضيلة إمام وخطيب المسجد النَبَوِيّ أهمية مُتَابَعَة سلوكيات الأولاد، والاهتمام بتفاصيلها، لا سيما حين تتشكل سلوكيات مريبة، وقال: "إن مقاومة جريمة التحرش وكل الجرائم مسؤولية مشتركة بين جميع فئات المجتمع، ومن لم يردعه القُرْآن ونداء الإيمان فلا بد حينئذ من سوط السلطان، وقد جاء عن عثمان بن عفان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: "إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقُرْآن".