«الأحزاب الإسلامية أصبحت قوة سياسية شرعية وقانونية، سواء رضينا أم لم نرضَ».. بهذه العبارة افتتح الكاتب الأمريكي الشهير دويل مكمانوس مقاله الأخير في صحيفة لوس أنجليس تايمز بعنوان: المسجد والدولة، مؤكداً أن الإسلاميين في المنطقة العربية أصبحوا أمراً واقعاً ينبغي على الغرب عامةً، وأمريكا خاصةً، إيجاد طريقة للتعامل معه. وروى مكمانوس في مقاله قصةً حدثت له منذ عامين في أحد المؤتمرات، عندما حضر اجتماعاً ضم بعض المسؤولين الأمريكيين وبعض شباب الإسلام السياسي من تونس والأردن وبلدان شرق أوسطية أخرى، وأراد الإسلاميون أن يعرفوا خلال الاجتماع إذا كانت أمريكا ستسمح بترشّح الإسلاميين في انتخابات حرة تسمح بوصولهم إلى السلطة، لكن المسؤولين الأمريكيين أعادوا إليهم السؤال: هل سيسمح الإسلاميون إذا فازوا بإجراء انتخابات حرة وديمقراطية حتى لو كانت تعني فقدان السلطة؟. وأكد مكمانوس أن هذه المناقشات تحوّلت الآن من مجرد حوارات نظرية إلى واقع في المنطقة العربية: ففي تونس من المتوقع أن يفوز الإسلاميون بأغلبية مقاعد البرلمان في انتخابات ما بعد الثورة، وفي مصر تعدّ جماعة (الإخوان المسلمون) الفصيل السياسي الأكثر قوةً وشعبيةً، وأفرزت عدة فروع ذات توجّه إسلامي، وفي ليبيا لا يخفى على أحد الدور الرئيس الذي قام به الإسلاميون في الثورة التي أطاحت بالقذافي؛ لذا فهم بالطبع سيكونون لاعبين رئيسين في أيّ حكومة جديدة. وأشار مكمانوس إلى أن قضية وصول الإسلاميين إلى الحكم في المنطقة العربية هي المعضلة التي تواجه الولاياتالمتحدةالأمريكية وغيرها ممن يبدون مخاوفهم من إمكانية تحوّل الإسلاميين في العالم العربي إلى نموذج الإيرانيين الذين يحكمون البلاد منذ وصولهم إلى السلطة في إيران منذ 32 عاماً بالسلطوية والعدائية ورفع الديمقراطية مجرّد شعار. وأوضح أن ما يقلق الأمريكيين من وصول الإسلاميين إلى الحكم، ولا يريدون التعايش مع ذلك أو التعامل معه، هو أن معظم الإسلاميين يبدون كأنهم لا يقبلون التعددية الليبرالية، ويريدون أن يكون الإسلام دين بلدهم الرسمي، كما أنهم يريدون الشريعة الإسلامية أساساً للقانون المدني، إضافةً إلى عدم قبولهم إسرائيل، وعدم حبهم سياسة الولاياتالمتحدة معها، حتى وصل الأمر إلى أن اقترح بعض أعضاء الكونجرس خفض المساعدات الأمريكية لمصر إذا فاز الإخوان المسلمون بأغلبية البرلمان المقبل. وذكر مكمانوس ثلاث مشكلات تعوق هذا النوع من التفكير، هي: أن الإسلاميين أصبحوا يشكلون قوة سياسية مشروعة، واحتمالية فوزهم في انتخابات حرة ديمقراطية نزيهة، وأنهم مازالوا على أعتاب تجربتهم الخاصة، مؤكداً أن الأحزاب الإسلامية أصبحت جزءاً من الديمقراطيات العربية الجديدة؛ للسبب ذاته الموجود في إسرائيل، وهو وجود أحزاب دينية يهودية، وكذلك في إيطاليا التي تضم الحزب الكاثوليكي المحافظ؛ إذ يريد بعض الناخبين أن يروا معتقداتهم الدينية تنعكس في سياسة بلادهم، وفي الولاياتالمتحدة نفسها، ومع أنها لا تملك حزباً من هذا النوع إلا أن كثيراً من المسيحيين المحافظين يتبنون هذا الشعور أيضاً. وأشار مكمانوس إلى أن هناك أدلة كثيرة تؤكد أن الأحزاب الإسلامية لم تكن على المدى الطويل تهديداً للديمقراطية التي يؤمن بها كثيرون، واستند في رأيه ذلك إلى دراسة أجراها تشارلز كوزمان وإجلال نقفي -الباحثين في جامعة ولاية كارولينا الشمالية- على 160 تجربة انتخابية في العالم الإسلامي، نافست عليها الأحزاب الإسلامية، واكتشفا أن الإسلاميين ينجزون تقدماً ملحوظاً في الانتخابات، وأنه مع مرور الوقت تحاول الأحزاب الإسلامية في كثير من الأحيان أن تغيّر سياساتها لكسب تأييد الناخبين الأكثر اعتدالاً ودعمهم، وهو ما قد يحدث بالفعل في مصر؛ فقد أعلنت جماعة الإخوان المسلمين أنها تقبل غير المسلمين، بما في ذلك المسيحيون، وتعتقد أنه لابد أن يشاركوا في كتابة الدستور الجديد، كما دعا بعض قيادييها جميع المصريين بأن يكونوا أكثر تسامحاً، متبنين فكراً إسلامياً جديداً. وذكر مكمانوس أن بعض المحللين يعتقدون أن الممارسة الديمقراطية يمكن أن تخفّف من فكر الإسلاميين، وأن الطريقة الوحيدة التي يمكن أن يكتسب بها الإسلاميون الشرعية هي تحوّلهم إلى الديمقراطية؛ لذا لابد أن يحصلوا على هذه الفرصة. وانتقد مكمانوس استمرار إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما حتى الآن في تبنّي نهج حذر تجاه الأحزاب الإسلامية التي أوشكت على الوصول إلى السلطة في العالم العربي؛ إذ سمحت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون لبعض الدبلوماسيين الأمريكيين بإجراء محادثات مع أعضاء من جماعة الإخوان المسلمين، وهي الجماعة غير المدرجة على القائمة الأمريكية الرسمية للمنظمات الإرهابية، إلا أن هذه الاتصالات لا تزيد على كونها تجريبية، وعلى مستوى غير رفيع. كما أعربت السفيرة الأمريكية في القاهرة آن باترسون عن عدم ارتياحها لفكرة إجراء محادثات مع شخصيات من الإخوان. وعدّ مكمانوس هذا النهج الأمريكي قصوراً في النظر؛ لأن جماعة الإخوان المسلمين سيكون لها تأثير كبير في صيانة معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، التي هي جوهر مصالح الولاياتالمتحدة في المنطقة، مؤكداً أن الولاياتالمتحدة قد لا تتفق مع كلّ ما يقوله أو يفعله الإسلاميون، لكن هذا حال ما يقوله ويفعله أكثر السياسيين في كل من روسيا والصين والمكسيك، والإسلاميون سيشكلون قوة سياسية دائمة، سواء شاءت الولاياتالمتحدة ذلك أم أبت. وتوقع مكمانوس أن مصر وتونس وليبيا إذا سعت في مسارها الديمقراطي فسوف يعثرون على وسيلة للتوفيق بين الإسلام والتعددية، مؤكداً ضرورة أن يساعدهم الغرب والولاياتالمتحدة على ذلك من خلال المشاركة والتعامل بجدية أكبر مع الإسلاميين من خلال حثّهم على ممارسة السياسة عن طريق قواعد الديمقراطية، والتعامل معهم بوصفهم لاعبين شرعيين ذوي شعبية لا يُستهان بها.