أدى جموع من المصلين صلاة الجمعة في جنبات وأروقة المسجد الحرام وسط منظومة متكاملة من الخدمات، التي أعدتها الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي لاستقبالهم، وتوفير كافة الخدمات وتهيئة الأجواء الروحانية الكفيلة بأدائهم لعباداتهم في راحة وطمأنينة، وذلك بالتعاون مع الجهات الحكومية والأهلية المعنية. وقد خطب الجمعة فضيلة الشيخ الدكتور أسامة بن عبدالله خياط مستهلاً خطبته بقوله: إن شهر رمضان المبارك خير الشهور والذي ميزه الله جل في علاه على سائر الشهور بعظيم الأجر، إنَّهُ الشهرُ الذي أُنْزِلَ فيه الهدى والنور، والشفاء لما في الصدور، حبلُ الله المتين، والنورُ المبين، والشفاء النافع، والعصمةُ لمن تمسك به، والنجاةُ لمن اتبعه، وهو كتاب الله عز وجل القرآن الكريم كما قال سبحانه: [شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى للنَّاسِ وبيِّناتٍ من الهُدى والفُرْقانِ] [سورة البقرة: 185]. وأيضاً اختصه جل في علاه بعدة فضائل منها: أنَّه شهرٌ تُفَتَّحُ فيه أبوابُ الجنان، وتُغَلَّق فيه أبوابُ النيران، كما جاء في الحديث الذي أخرجه الشيخان في صحيحيهما عن أبي هريرة-رضي الله عنه- أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا دخل شهرُ رمضانَ، فُتِّحَتْ أبوابُ الجنة، وغُلِّقَتْ أبوابُ جهنم، وسُلْسِلَتِ الشياطينُ". وذكر أيضاً من فضائل رمضان: أنَّ صيامَهُ وقيامَهُ سببٌ لغفران ما تقدم من ذنوب العبد، كما جاء في الحديث الذي أخرجه الشيخان في صحيحيهما: عن أبي هريرة-رضي الله عنه- أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- قال: "من صام رمضان إيماناً واحتساباً؛ غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه". وأضاف فضيلته: إن الله شرف رمضان بأن فيه ليلة القدر والتي هي خير من ألف شهر كما قال تعالى: [إنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ المَلائِكَةُ والرُّوحُ فيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ] [سورة القدر: 1-5]. وهي الليلة التي من قامها إيماناً واحتساباً؛ غُفر له ما تقدَّم من ذنبه. وبين فضيلته: أنَّ صيامَ رمضان سببٌ لتحقيق العبوديَّة لله ربِّ العالمين. بحيث يكون الإمساك والإفطار على الصفة التي وصفها وشرعها الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم. ولا تكتمل هذه العبودية إلا بالإخلاص والمتابعة لسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ولذا؛ كان الصومُ كلُّه كما قال-بعض العلماء-: "خضوعاً للأمر الإلهيِّ؛ فلا أكلَ، ولا شربَ، ولا مُتعةَ بما حُظِرَ على الصَّائم بعدَ تبيُّن الخَيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر إلى غروب الشمس، مهما جمَحَتِ النَّفْسُ، وطغَتْ شهوةُ الطَّعام والشَّراب. ومن فضائل رمضان كما أوضح فضيلته: أنَّه شَهْرُ الصبر، إذ إنَّ الصَّبْرَ لا تَظْهَرُ حقيقتُهُ، وتتَّضِحُ صورتُهُ أكثر من ظهورها في الصيام كما قال سبحانه: [إِنَّمَا يُوفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ] [سورة الزمر:10]. ومنها: أنَّ فيه دعوةً مستجابةً لكلِّ مسلمٍ، كما جاء في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد في مسنده بسند جيد: عن جابر بن عبدالله-رضي الله عنه- أنَّ النبيَّ- صلى الله عليه وسلم- قال: ((لكلِّ مسلمٍ دعوةٌ مستجابةٌ، يدعو بها في رمضان)). واستهل فضيلته خطبته الثانية بقوله: لقد كان من السُّننِ النبويِّةِ العظيمةِ التي سنَّها رسولُ الهُدى-صلى الله عليه وسلم- في هذا الشهر: سُنَّةُ المدارسة للقرآن، كما جاء في الحديث الذي أخرجه الشيخان في صحيحيهما: عن ابن عباس-رضي الله عنهما- أنه قال: "كان رسولُ الله-صلى الله عليه وسلم-أجودَ الناس، وكان أجودُ ما يكون في رمضان، حينَ يلقاه جبريل، فيُدارِسُه القرآنَ؛ فلَرَسولُ الله-صلى الله عليه وسلم- أجودُ بالخير من الرِّيحِ المُرْسَلَةِ". وفي الحديث: دلالةٌ ظاهرةٌ على الفضلِ العظيمِ لمُدارسةِ القرآنِ في شهر رمضانَ الذي أُنْزِل فيه القرآنُ، واستحباب الإكثار من التلاوةِ في رمضان، وأنها أفضل من سائر الأذكارِ، وتوجيهِ الأنظارِ إلى ما بينَ المُدَارَسة والجود من وثيق الصلة. واختتم فضيلته الخطبة متوجهاً للمسلمين قائلاً: فاتقوا اللهَ –عبادَ الله- واجعلوا من أوقاتِ هذا الشَّهرِ فُرصةً لإحياءِ هذه السُّنَّةِ النبويَّة المباركةِ تنكشفْ لكم أسرارُ القرآن وغاياتُه، وتتجلَّى لكم عبرة وعظاتُه وهداياتُه، وتشرق في قلوبكم أنوارُهُ وبيِّناتُهُ. وأن نرفع أكف الضراعة إلى الله جل في علاه، وأن ندعو لإخواننا المسلمين في كل مكان ولوالدين ولمن له حق علينا وإلى ولاة أمرنا – حفظهم الله – وما يقدمونه في خدمة الإسلام والمسلمين ولخدمة زوار وعمّار بيت الله العتيق ومسجد نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم.