أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام، الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد، المسلمين بتقوى الله والعمل على الطاعات وبذل الجهد لها، وابتدأ خطبته قائلاً: "إنهم علماء الشرع المطهر، رفع الله قدرهم، وأعلى مقامهم، قائمون بالحق، متمسكون بالهدى، ثابتون على الجادة كمائن القلوب تُظْهِرها المحن، والمؤمن أسير الحق، الإخلاص مطيته، والصدق محجته، وعلى هذا الطريق الأقوم يقف أعلام ورؤوس، يثبتون في الشدائد والملمات". مشيراً معاليه بأنهم المرجع عند السؤال، وإليهم الرد عند الاستشكال كما في قوله تعالى: (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذكر إن كُنتُمْ لاً تَعْلَمُونَ)". وأردف معاليه: "حاجة الناس إليهم أعظم من حاجتهم إلى الطعام والشراب، يقول الإمام أحمد رحمه الله: "الناس أحوج إلى العلم منهم إلى الطعام والشراب؛ لأن الطعام والشراب يُحتاج إليه مرتين أو ثلاثاً، أما العلم فيحتاج إليه في كل وقت". وقال معالي الشيخ صالح بن حميد: "العلم تركة الأنبياء، ورثه الصحابة رضوان الله عليهم، ثم ورثه من بعدهم التابعون، وهكذا جيلاً بعد جيل إلى أن يشاء الله قبضه؛ ولهذا يقول عبدالرحمن بن مهدي رحمه الله: "كان الرجل من أهل العلم إذا لقي من هو فوقه في العلم فهو يوم غنيمة، سأله وتعلم منه، وإذا لقي من هو دونه علَّمه وتواضع له، وإذا لقي من هو مثله في العلم ذاكره ودارسه. وإن من الجفاء أن يموت العالم ولم يؤخذ عنه العلم ولم يورث". وتابع: "أن من علامات توفيق الله حب أهل العلم، وذكرَهم بالجميل، ودفعَ قالة السوء عنهم، وتوقيرهم، من غير ادعاء عصمتهم، أو عدم الرد عليهم عند أخطائهم، حب من غير تعصب ولا تعسف، ولا يصدنك حبهم أن ترى الحق عند من خالفهم، وفي الخبر الصحيح: "ليس منا من لم يجل كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه" أخرجه أحمد والطبراني وغيرهما، وإسناده حسن، وصححه الألباني". كما ذكر معاليه: "من أعظم حقوق أهل العلم حفظُ الألسنة عن الوقيعة بهم، أو النيلِ منهم بالسيئ من القول والعمل، فالنيل منهم مما هم منه براء أمر عظيم، ونهش أعراضهم بالزور والافتراء مرتع وخيم. يقول الحافظ بن عساكر رحمه الله: "اعلم وفقني الله وإياك لمرضاته، وجعلني وإياك ممن يتقيه حق تقاته: أن لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك من ناوأهم معلومة، وقلَّ من اشتغل في العلماء بالنقد، إلا عوقب قبل موته بموت القلب". وذكر الثعلبي عن علي رضي الله عنه: "من استخف بالعلماء ذهبت آخرته". وأضاف معاليه: "أغلب ما يقود إلى الوقيعة في أهل العلم الغيرةُ، والحسد، والهوى، والتعصب، والحزبية، والتعالم، ناهيكم بخطط الأعداء، بل إنه لا يقع في أعراض العلماء إلا ضال، أو جاهل، أو مغرض، أو متعصب". ونوّه معاليه: "بأن إضعاف دور أهل العلم يؤدي إلى عواقب خطيرة في حاضر الأمة ومستقبلها، وبخاصة مع هذه التطورات المعاصرة في وسائل اتصالاتها وتواصلها، وما تموج به من تيارات مضلة، وعقائد منحرفة؛ مما يؤدي إلى الضياع، وفقدان الهوية، وتصدر الجهال". واستطرد: "الناس من غير العلماء جهال تتخطفهم شياطين الإنس والجن، وتعصف بهم الضالات والأهواء، لا يقف في وجوه الزنادقة والمنافقين إلا أهل العلم الإثبات، ومن يسعى في إضعاف أهل العلم فهو ساعٍ في انحراف الشباب وإيقاعهم في التيارات الفكرية المتطرفة، والواقع خير شاهد". وحذرَ معاليه في قوله: "إن أهل العلم يتعرضون لحملات تشويه، وموجات استهزاء من الملاحدة والماجنين، في مقالات، ورسومات، وتغريدات ساخرة، ومواقف تمثيلية مهينة، وهذه كله هدفه محاولة الوقيعة بين العلماء والأمة، والفصل بين الأمة وعلمائها وهو من أعظم خطط الأعداء في الداخل والخارج". ويضيف بأنه في كثير من بلاد الإسلام ما غاب أهل العلم ولكن غُيِِّبوا، وما قصَّروا ولكن حُجبوا، وتصدَر الجهال بل قد صُدِّروا، وأشد من ذلك أن يتصدر المجتمعاتِ أصحابُ اللهو والمجون وأضرابُهم، فهؤلاء حراس الدين، وأعلام الملة، يصلحون ما فسد، ويقومون ما اعوج، فما أحسن أثرهم على الناس، وأقبح أثر الناس عليهم كما في قوله: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ)". ويذكِّر معاليه بأن: "العلماء ليس فيهم معصوم، ويرد عليهم أخطاءهم أمثالهم ونظراؤهم من أهل العلم، وليس كل من عرف القراءة والكتابة تجرأ وخطَّأَ وصوَّب، والخلاف بين أهل العلم سنة من سنن الله، فلا يجوز أن يتخذ سبيلاً للحط من مكانتهم، وليعلم أن هناك فرقاً كبيراً بين تخطئة العالم والرد عليه. ونعوذ بالله ممن ابتلي بتصيد العثرات، وتتبع الزلات، يُدِخلون أهل العلم في مسالك التصنيف، سيماهم التغريد من أجل التغرير". واختتم معاليه الخطبة موصياً: "فينبغي أن يتواصى أهل العلم بالحرص على سلامة العرض، والبعد عن مواطن الريب والشبه، وسدِّ الذرائع المفضية إلى التطاول عليهم، مقتدين بقوله صلى الله عليه وسلم: (على رسلكما إنها صفية)".