أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام، فضيلة الشيخ الدكتور سعود بن إبراهيم الشريم، المسلمين بتقوى الله في السر والعلن، وفي الخلوة والجلوة، فهي وصيته للأولين والآخرين. وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم بالمسجد الحرام: "إن الله جل وعلا قد من على بني آدم بنعمة الحواس العظيمة: العقل، والسمع، والبصر، قال تعالى: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُم لَا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)، إنها نعمة يتقلب فيها معظم بني آدم، غير أن الكثير منهم لا يضعها في موضعها التي خلقها الله له فلم تكن له سبيل تفكر، ولا وعي ولا هداية، بل ضلوا بها وربما أضلوا وضيعوا لذة استعمالها فيما لا يرضي الله في الدنيا، وما لا يفوزون به من العاقبة في الآخرة قال تعالى: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَان لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ). وأضاف فضيلته: أن قوماً لم تدلهم تلك الحواس إلى الخير لفي خسار مبين وبوار، فإن من أهم ما تستثمر به تلكم الحواس تكامل خصلة الوعي لدى صاحبها، وسلامة إدراكه ودقته في النأي بها عن المؤثرات المغيبة للمنطق والحقيقة، مؤكداً أن من أحسن الوعي أحسن الحذر واستطاع أن يقرأ ما بين سطور الأحداث والمدلهمات، فإن الوعي والحذر أمران زائدان على مجرد السمع والإبصار فما كل من يبصر يعي ويحذر ما يبصره، ولا كل من يسمع قال تعالى: (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُور). وأوضح فضيلته أن الأمة تعيش هذه الآونة أحداثاً مدلهمة ونوازل تتكاثر حثيثة وتليها أخرى حبلى بما لا يدري ما الله كاتب فيها، وأن الأفراد إذا وفقوا في وعيهم وفقوا في حذرهم ومن ثم يكون المجتمع بعمومه مجتمعاً واعياً يدرك قيمة الاجتماع والوحدة حين تدلهم الخطوب فيطرح كثيراً من خلافات التنوع جانباً وربما أجل الحديث عن اختلاف التضاد لكون الخطر الداهم أكبر ودفعه أولى، فتلك هي الأمة الواعية وذلكم هو المجتمع الناجح الذي يميز الخبيث من الطيب والعدو من الصديق؛ لذلك أوصى الله المؤمنين بقوله: (يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم). وقال الشيخ الشريم: "إن وعي الأمة وحذرها كفيلان بتوفيق الله لجعلها أمة قوية ذات شوكة ومنعة أمام أعدائها وخصومها الذين يتربصون بها الدوائر، فتعلم حينئذ متى تحلم ومتى تحزم متى تنأى ومتى تعزم، مشيراً إلى أن في الحزم هيبة وفي العزم قوة ونجاحاً بعد توفيق الله فإن الله جل وعلا أوصى الأمة المسلمة بتحصيل وسائل القوة حتى لا تكون نهباً للطامعين ولا هدفاً للمتربصين فقال سبحانه تعالى: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) لتشمل كل مقومات القوة اقتصادية كانت، أو سياسية، أو علمية، أو اجتماعية، أو عسكرية. وأكد أن قوة الدولة هي القدرة على التأثير بحيث تكون حال وعيها وحذرها بسبب هذه القوة من أهم دعامات تأثيرها وإثبات وجودها فتستعمل مصادر قوتها؛ لتكون رسماً متناسقاً تستطيع من خلاله أن تحدد موقفها وقت السلم كيف يكون وكيف يكون وقت الشدائد. وبين إمام وخطيب المسجد الحرام أن المجتمع المسلم إذا جعل للوعي حظوة، وكان من أولوياته فلن يخفق بأمر الله في الأزمات إذ يعرف متى يرفع بصره حينئذ ومتى يرخيه ويعرف مصلحة دفع الأخطار قبل وقوعها، وأنها أعلى وأولى من رفعها بعد وقوعها، لافتاً إلى أن المجتمع المسلم الواعي هو من يوفق في ألا يترك له عدواً من داخله ليكون ثاني العدوين نعم إنه يكون عدواً داخلياً بأنانية وآثرته يكون عدواً داخلياً بالنزاع والاختلاف والفرقة حتى كأنه رسول للعدو الخارجي، والمقرر شرعاً أن كل ذلكم يتقى وجوباً حال ظهور العدو الخارجي وتكشيره عن أنيابه لذلك قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون). وقال إمام وخطيب المسجد الحرام: "اعلموا أن هذه الأرض المباركة محسودة مقصودة تحدق إليها أبصار الطامعين في خيراتها واستقرارها، وعرصاتها المقدسة في الحرمين الشريفين فينظرون إليها نظرة غيرة وشزر ملؤهما الأطماع الاقتصادية والسياسة والجغرافية التي يراد من خلالها تطويق المنطقة برمتها، والاستحواذ على خيراتها ومقوماتها ومقدساتها والاستئثار بما وهبت به بلاد الحرمين الشريفين من رعايتهما، والتشرف بهما فلم يهدأ للطامعين بال ولم تغمض للحاسدين عين فأخذوا يثيرون الزعزعة والتدخل فيما لا يعني حتى أنهم لَيجادلون في حماية الأنفس وهم جزاروها، ويتلاعبون بالدماء المعصومة ثم هم يتورعون عن قتل الذباب في الحرم لقد قابلوا الإحسان بالإساءة، والحلم بالجهل، والأناة وطول النفس بالحماقة. وأكد فضيلته أن بلاد الحرمين حرسها الله ناهضة بحزمها وعزمها قوية بقوة الله وتوفيقه ثم بقوة ولاتها وعلمائها وشعبها، ملتزمة بثوابتها معتزة بهويتها، ولن يضيرها بحفظ الله صرخات التهويش والتشويش التي تنطلق حتى يرجع صدى الصراخ مبحوحاً وهو حسير والله خير حافظاً و هو أرحم الراحمين. وفي المدينةالمنورة، قال فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ عبدالبارئ الثبيتي: "إن الشريعة الإسلامية مبنية على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، والشريعة هي عدل ومصالح وحكمة، فهي عدل الله بين عباده ورحمته وظله في أرضه وهي العصمة للناس؛ لأن الحياة الإنسانية لا تصلح إلا بنظام ترجع إليه وتشريع يحكم أمرها، مؤكداً أن تمسك الأمة بشريعتها يغنيها عن الخوض مع المجادلين والتأثر بالمنازعين الذين يصدون عن ممسك الهدى. وأوضح إمام وخطيب المسجد النبوي في خطبة الجمعة أن المسلم يمضي واثقاً من منهجه ومستقيماً على نهجه قال الله تعالى: (لكل أمة جعلنا منسكاً هم ناسكوه فلا ينازعنك في الأمر وادعُ إلى ربك إنك على هدًى مستقيم وإن جادلوك فقل الله أعلم بما تعملون الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون). وأكد أن من أوثق مقاصد الشريعة هو تحصيل المنافع وتعطيل المضار وعمارة الأرض على أساس العدل والأمن والسلام وحماية بناء المجتمع وعقيدته. وقال فضيلته: "إن من سماحة الشريعة الإسلامية اتصافها بالإحسان في كل أحكامها وحدودها قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء) وقال عليه أفضل الصلاة والسلام: (وأحسنوا إن الله يحب المحسنين)، و(إن الله يأمر بالعدل والإحسان) مردفاً أنه بالشريعة أصلح الله حالنا واستقام أمرنا ووهبنا بعد الخوف أمناً وأغدق علينا خيرات الأرض قال تعالى: (أو لم يروا أنا جعلنا حرماً آمناً ويتخطف الناس من حولهم)، منوهاً أن تطبيق الشريعة وتنفيذ الحدود للوطن أمنه، وللعباد استقرارهم وطمأنينتهم، وفي الأطراف يتخطف من حولنا بحروب تأكل الأخضر واليابس وقتل وتدمير. وأضاف أن تطبيق شرع الله يحقق الحياة الكريمة مما يؤدي إلى انتشار الفضيلة ويعم الرخاء وتسود العزة والمنعة وهي الحارس على مقدرات الأمة من عبث العابثين، وأن تطبيق الحدود إعلاء للشريعة وتمكين للأمة وقوة ونصرة، مشيراً إلى أن سيادة الشريعة وتطبيق أحكامها حماية للأمة من الفوضى والهلاك وفساد المجتمعات وذلك بالأخذ على أيدي السفهاء والمفسدين الذين يتنكبون الطريق ويرتكبون الجرائم فالنبي صلى الله عليه وسلم شبه المجتمع بالسفينة في البحر ولكي تصل السفينة إلى بر الأمان وجب منع المفسدين كون الشريعة ألجمت الجريمة قبل وقوعها بالحكمة والموعظة الحسنة وبناء الوازع الديني. وتابع الشيخ عبدالبارئ الثبيتي قائلاً: إن من عظمة هذا الدين أن الحدود الشرعية عادلة جاءت ملائمة لكل جريمة وذنب حسب قوتها، فالشريعة جاءت باللين في محله والشدة في محلها تبدأ بالدعوة باللين والرفق، فإذا تجاوز الإنسان حده وطغى وبغى في معاملته أخذته بالقوة والشدة وعاملته بما يردعه، ويعرفه سوء عمله؛ ولذا جاءت عقوبة المحاربين والمفسدين أشنع عقوبة وأشدها قال جل من قائل: (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض). وأوضح أن من المسلمات بين العقلاء أن كل عقاب لا بد فيه من قسوة وشدة، وأن من الشرع والعقل والحزم بتر العضو غير السوي الذي يشعل الفتنة ويثر القلاقل ويورث بقاؤه ضرراً على سلوك الأفراد وإفساداً في المجتمع، مبيناً أن الذين يشككون في العقوبات عطفوا على المجرم وضيعوا حقوق المجتمع، وأنهم نظروا إلى العقوبة وتناسوا بشاعة الجريمة فهذه العقوبات تدل على عدل الله وحكمته؛ لأنها محققة لمصالح العامة، وحافظةٌ للأمن العام قال عز وجل: (ولكم في القصاص حياة). وأكد إمام وخطيب المسجد النبوي أن الحدود لم تشرع للتشفي والانتقام وإلحاق الأذى، وإنما شرعت لغايات نبيلة للمحافظة على مصالح المجتمع الكبرى: الدين، والنفس، والعقل، والمال، العرض، مبيناً أن تنفيذ الأحكام الشرعية حداً وتعزيراً بحكم رادع سطره القضاء الشرعي بحق الفئة الضالة ممن اعتنق المنهج التكفيري، وروع الآمنين، وقتل الأبرياء، وحرض على القتل، واعتدى على الممتلكات العامة هم فئة قليلة لا تمثل أبناء الوطن المخلصين، ولن يفت في العضد الأقوال الشاذة وردود الأفعال المتشنجة ممن دأب على زرع الفتن ليقضي على رغد البلاد ورخائها، فأصحاب تلك الأقوال هم أساس الإرهاب وأسه ومنبعه، يموِّهون على السذج بدعايات زائفة وشعارات براقة لا رصيد لها من الواقع. وأشار الشيخ الثبيتي إلى أن العالم الإسلامي يدرك أعمالهم وأفعالهم البائسة لإشعال فتيل الفتن، فالمسلمون يتصدون لهذه الممارسات بالوعي والتآلف والتكاتف وجمع الكلمة. وأشاد فضيلته بما يقوم به رجال الأمن والمرابطون على الحدود في محاربة الإرهاب، وكشف أوكار الفاسدين، ووأد مخططاتهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه)، وقال عليه الصلاة والسلام: (إنه ستكون هنات وهنات فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهم جميع فاضربوه بالسيف كائناً من كان).