الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، صلى الله عليه وسلم. وبعد: ﴿ إِلَّا تَنْصروه فَقَدْ نَصَرَه اللَّه ﴾ [التوبة: 40].
ألا تثأر لعِرْض نبيك -صلى الله عليه وسلم- إن لم يكن وفاءً بحقه، فطمعاً في شفاعته، صلى الله عليه وسلم. وللحَوَادثِ سلْوَانٌ يسَهِّلها / وَمَا لِمَا حَلَّ بالإسلامِ سلْوَان/ أَلَا نفوسٌ أَبِيَّاتٌ لها هِمَمٌ / أمَا على الخيرِ أنصارٌ وأَعْوَان /
لا شروق ولا غروب إلا على خبر فاجعٍ، واعتداءٍ ذائع! علينا نحن المستضعفين في الأرض على كثرة عددنا، المستذَّلين فيها مع عظيم ثرواتنا!
وعلى رأس الفواجع، وقمة المواجع: نَيْلهم من عِرْض من هو أحبّ إلينا من عِرْضنا، وأبنائنا، وأمهاتنا؛ إنه عِرْض نبينا – صلى الله عليه وسلم! هَجَوْتَ محَمَّداً فَأَجَبْت عنه / وَعِنْدَ اللهِ فِي ذَاكَ الجَزَاء / هَجَوْتَ محَمَّداً بَرّاً حَنِيفاً / رَسولَ اللهِ شِيمَته الوَفَاء / فَإِنَّ أَبِي وَوَالِدَه وَعِرْضِي / لِعِرْضِ محَمَّدٍ مِنْكمْ وِقَاء / فَمَنْ يَهْجو رَسولَ اللهِ مِنْكمْ / وَيَمْدَحه وَيْنصره سَوَاء / وَجِبْريلٌ رسول اللهِ فِينَا / وَروح الْقدْسِ لَيْسَ لَه كِفَاء /
ومع هذا الاعتداء السافل، والاجتراء السافر، فلم يَهبَّ النائمون من سبَاتهم، أو يفِيقوا من غَيِّيهم؛ بل تراهم يرقصون، ويطبلون، ويضحكون ملء أفواههم!
وحقَّ لهم أن يفعلوا ذلك! فما يَضِيرهم بعد أن سَلِم لهم مأكلهم، ومشربهم، ومنامهم، ولَعِبهم، ومتاع الدنيا الذي يعتقدون أنهم ما خلِقوا إلا لأجله! فما يَعنِيهم من بعد ذلك أمرٌ من أمور الدين، وصدق فيهم قول القائل: أَبنَيَّ إِنَّ مِنَ الرِّجَالِ بَهِيمَةً / فِي صورَةِ الرَّجلِ السَّمِيعِ المبْصِرِ / فَطِنٌ بِكلِّ مصِيبةٍ فِي مَالِهِ / وَإذَا يصَاب بِدِينِهِ لَمْ يَشْعرِ /
ترى أحدَهم يقِيم المعارك غضباً إذا أصِيب ثوبه بشيء من القذارة، ولا يبالِي بما أصاب دينَه من الدنس! مَا بَال دِينِكَ تَرْضَى أَنْ تدَنِّسَه / وَثَوْبكَ الدَّهْرَ مَغْسولٌ مِنَ الدَّنَسِ؟! /
وليس مع هؤلاء حديثي؛ إذ شغلوا عنه بأخبار ناديهم الذي يشجِّعون!
ولا إليهم خطابي الذي يفضِّلون عنه سماعَ أمِّ كلثوم!
إنما حديثي للقلة التي أَفجَعها سافل الاعتداء، وأوجعها سافر الاجتراء.
يا قوم، أبهذا الصياح تَنصرون نبيَّكم – صلى الله عليه وسلم؟!
أم بهذا الطَّنِين ترهِبون عدوكم؟! فَدَعِ الْوَعِيدَ فَمَا وَعِيدكَ ضَائِرِي / أَطَنِين أَجْنِحَةِ الذّبَابِ يَضِير؟! /
نصح بعض الأوربيين زعيم الخبثاء المدعو "باسيلي" أن يتوقَّف عن الفيلم؛ خوفاً من رد فعل المسلمين، فأجابهم المأفون المأفوك بقوله: (يعني حيصل إيه؟)!
كأنه يشير إلى ردِّ فعل المسلمين؛ حيث الوعيد غير الناجز، والتهديد غير الماضي.
فاستهزأ الفَسْل بوعيد المسلمين وتهديدهم استهزاءَ أبي الرديني بتهديد نمير؛ إذ يقول: تَوعَّدنِي لِتَقْتلَنِي نمَيرٌ / مَتَى قَتَلَتْ نمَيرٌ مَنْ هَجَاهَا! /
قارن بين رد الفعل المحلي والعالمي على أي قضية تخص غير المسلمين، ورد فعل المسلمين على القضايا الخاصة بهم، إذاً والله لتفجعنَّك المقارنة.
هل تعلم أن حوالي ست عشرة دولة أوربية تجرِّم كل مَن يقوم بتحقيق الدراسة التاريخية ل: "محرقة الهولوكوست" تحقيقاً يشكك في أي من مفرداتها، وتحكم عليه بسجن يصل لعشر سنوات! وبالفعل تم محاكمة مجموعة من العلماء، والمؤرِّخين؛ منهم: • الفرنسي "روجيه جارودي"، وقد ناهز ال 80 عاماً! • الألماني "أرنست زوندل"، حكم عليه بالسجن 5 أعوام عام 2007. • المؤرخ البريطاني "ديفيد إرفينج"، أو: "ديفد إيرفينغ".
وعلى المستوى المحلي: أما تذكرون الراهب "برسوم المحروقي"؟
الذي كان يزني في النساء اللائي يجلسن على كرسي الاعتراف، ويصورهن بالفيديو، ثم يبتزهن بشرائط الفيديو بعد ذلك!
هل تذكرون ماذا فعِل بالجرائد التي تناولت الخبر؟
لقد جمِعت الصحف من الباعة فوراً، وأغلقت الجريدة، وسجن صاحبها، ومات في السجن!
كل هذا عقوبة على تناول الصحف لخبر بالطريقة التي اعتادت عليها مع أي شخص!
ولكن عندما تعلق الأمر برجل من الكنيسة، كان للدولة شأن آخر!
أمَّا عندما يَفترون على نبيِّنا – صلى الله عليه وسلم – أو على أي رمز من رموز الإسلام، فحينئذٍ ترتفع النعرات بالحرية، ويعلو الصياح بالإبداع!
أخي الحبيب، أما تحزن لما أصاب المسلمين ودهمهم؟
إن لم تحزن فيجب أن تحزن؛ لأنك لم تحزن، وأن تتألم لموت قلبك وأنت لا تعلم.
فمن لم يكن النبي – صلى الله عليه وسلم – في قلبه كما في الحديث عن أنس؛ عن النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده، وولده، والناس أجمعين))، فليوقن بموت قلبه – عياذاً بالله.
كيف ننصر نبيَّنا – صلى الله عليه وسلم -؟! وهذا أهم ما في الموضوع؛ إذ يجب أن يكون النصر فعليّاً عمليّاً، وليس مجرد شعارات جوفاء. فلا حب له – صلى الله عليه وسلم – أعظم من حب الصحابة – رضي الله عنهم – فلنحبَّنَّه على طريقتهم الخاصة.
إذ كانوا يطِيعونه في كل شيء، ويتحاكمون إليه في خصومتهم وشؤونهم، ويتبعون سنته، ويكثِرون من الصلاة عليه، ويوقِّرونه، ويحترمونه، ولا يؤثِرون أنفسهم عليه، ويحملون أمانته، ويبلغون رسالته، وينقلون صورته الحقيقية الباهرة لمن لم يروه؛ حتى يقفوا على حقيقته ليحبوه، ويوضحون أموره للناس على النحو الصحيح الذي يحبونه به، ويناصرونه بأموالهم وأنفسهم وأولادهم، وفي سبيل نصرته هجروا ديارهم، وفقدوا أعضاءهم، وأبناءهم، وأموالهم، ويَقتلون كل مَن يسب النبي – صلى الله عليه وسلم.
فيا أيها المحب الصادق، ألا فليتجسدن صادق محبتك له – صلى الله عليه وسلم – وخالص مودتك له – صلى الله عليه وسلم – في العمل لدين الله تعالى.
كما قال – صلى الله عليه وسلم -: ((مثل المؤمنين في توادِّهم، وتراحمهم، وتعاطفهم – مثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)).
فلكل عضو في الجسد وظيفته التي لا يحسِن غيرَها، كما لا يحسنها غيره من الأعضاء. • فالعين مهما بلغت حدتها، لا تستطيع أن تسمع. • والأذن مهما كانت مرهفة، لا تستطيع أن تتكلم. • واللسان مهما كانت فصاحته وبيانه، لا يستطيع أن يفكر.
فسَلْ نفسك أيها المحب الصادق: هل أنت عقل يفكر، أو عين تبصر، أو أذن تسمع، أو لسان يتكلم، أو يد تبطش؟
أم أنت لست إلا أظفاراً زائدة، لا صلاح للجسد إلا أن تقص منه ثم ترمى في الزبالة؟!
انظر أي أعضاء الجسد المسلم أنت، ثم وظِّف قدراتك في خدمة الأمة المسلمة.
ضع يدك في يدي، ونضع أيدينا في أيدي إخواننا الصادقين في محبتهم للنبي – صلى الله عليه وسلم – ثم نعمل جميعاً لرفعة الأمة، وقوتها، وإعادة مجدها.
علينا أن نغضب لنبينا – صلى الله عليه وسلم – غضبة الأحرار الأشراف، لا غضبة العبيد السفلة.
وتأمل – لتعرف الفرق بينهما – قول أبي مسلم؛ إذ ولَّى رجلاً ناحية، فقال له: "إياك وغضبة السفلة، فإنها في ألسنتها، وعليك بغضبة الأشراف، فإنها تظهر في أفعالها".
فالحب الصادق هو ما حمل صاحبَه على طاعة محبوبه.
تأمل قول العاشق ابن أبي ربيعة المخزومي في وصف محبوبته: ومَن لو نَهَانِيَ مِن حبِّهِ / عن الماءِ عَطْشَانَ لَم أَشْرَبِ /
هل أنت مستحضرٌ هذا المعنى الجليلَ؟!
مستعد ألا يشرب، وأن يموت ظمأ، إذا كان فيه طاعة محبوبه ومرضاته.
أين هذا الحب الصادق ممن يرفضون شريعة النبي – صلى الله عليه وسلم – ويحاربون سنته، ويسخرون من أحكامه؟! ويأتي أحدهم من الفظائع، ويركب من الفجائع، ما تهطل له المدامع، وتهون معه فاسد الأخبار وسيئ الوقائع! ثم يتبجَّحون من بعد بدعوى محبة النبي – صلى الله عليه وسلم!
فأولى بك، ثم أولى بك أن تجعل غيرتك على نبيك – صلى الله عليه وسلم – وقوداً لك يدفعك بأسرع من سرعة الضوء إلى الله – عز وجل – فتدخل بيته الكريم، وتلزم رَكْب العلماء، وتتعلَّم دينك، وتعمل به، وتدعو إليه، كلٌّ على قدر ما يحسن من الأمور والأعمال.
واستعِن بأهل العلم والفضل والتقوى، وهم يسخرونك حيث تنفع نفسك، وأهلك، وأمتك، والإسلام.
فكل آية تتعلمها، وتعمل بها، وتدعو إليها نصرة لنبيك – صلى الله عليه وسلم.
وكل حديث تفهمه، وتعمل به، وتدعو إليه نصرة لنبيك – صلى الله عليه وسلم.
أتعلم أيها المحب لنبيك – صلى الله عليه وسلم – الغيور على عِرْضه – صلى الله عليه وسلم – لو فعل كل غيور ما أقوله لك هذا، إذاً – والله – لصِرْنا أقوياء حقّاً!
وحينئذٍ سيغرس الله الهيبة لنا في قلوب أعدائنا، فلن يجترئ علينا أحد ابتداءً. مَتَى تَجْمَعِ القَلْبَ الذَّكِيَّ وَصَارِماً/ وَأَنْفاً حَمِيّاً تَجْتَنِبْكَ الْمَظَالِم /
وعلى فرض أن أحدهم سوَّلت له نفسه هذه خسةَ الاعتداء، وسفالة الاجتراء، فحينئذٍ سيجد الرد الذي يجعله عبرة لمن يعتبر، ولن يكون حينئذٍ كلاماً، فلن ينطق أحد بحرف واحد، بل سيكون عملاً، تبلى الصحائف ويبقى ذكراً رادعاً لكل نذل جبان. فَلَيْسَ يجَلِّي الكَرْبَ رَأْيٌ مسَدَّدٌ / إذَا لَمْ تؤَانِسْه بِسَيفٍ مهَنَّدِ /
يلخص "نيتشه" دين قومه قائلاً: "إن الأخلاق ليست إلا اختراع الضعفاء؛ لكي يقيدوا بها سلطان الأقوياء".
كلمتي لأهل الكتاب: أليس من اللائق أن يسأل كل يهودي ونصراني نفسه: لماذا لم نسمع مسلماً واحداً يسبّ موسى – صلى الله عليه وسلم – أو عيسى – صلى الله عليه وسلم – عندما سببْنا محمداً – صلى الله عليه وسلم؟! الجواب: لأننا في الحقيقة لسنا مؤمنين بمحمد – صلى الله عليه وسلم – فحسب! بل نحن مؤمنون بموسى – صلى الله عليه وسلم – وعيسى – صلى الله عليه وسلم – وكل الأنبياء التي أرسلت من عند الله – سبحانه وتعالى. ﴿ قولوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أوتِيَ موسَى وَعِيسَى وَمَا أوتِيَ النَّبِيّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نفَرِّق بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهمْ وَنَحْن لَه مسْلِمونَ ﴾ [البقرة: 136].
ونحن نؤمن بأن الله ما أنزل كتاباً إلا بالإسلام، ولا أرسل رسولاً إلا بالإسلام، وصدق الله – سبحانه وتعالى – إذ يقول: ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَام ﴾ [آل عمران: 19].
فكل مَن يؤمن بمحمد – صلى الله عليه وسلم – لا يصح إيمانه إلا بأن يؤمن بكل مَن سبقه من الأنبياء والمرسلين.
وأجمعت الأمة سلفاً وخلفاً أن مَن انتقص نبيّاً من الأنبياء، كفر كفراً يخرِجه من الإسلام، والإسلام منه براء!
وذلك أن جميع الرسل جاؤوا بدين واحد – بدين الإسلام – وإنما الاختلاف فيما بينهم في بعض المسائل الفقهية، وشريعة محمد – صلى الله عليه وسلم – نسخَت كل الشرائع السابقة قبلها.
فالحمد لله الذي هدانا للإسلام، دين العفة والطهارة والأخلاق الحميدة.
هيا أيها الأحبة! كفانا كلاماً، هلموا إلى العمل!
هلموا إلى الدعوة إلى الله، وحمل رسالة الأنبياء المرسلين! دَرَاكِ فإنَّ الدينَ قد زَالَ عِزّه / وَكَانَ عزيزاً قبلَ ذا غَيْرَ هَيِّنِ / فَكَانَ لَه أَهْلٌ يوَفّونَ حَقَّه / بِهَدْيٍ وَتَلْقِينٍ وَحسْنِ تَلَقّنِ / فَإِنَّ الَّذي شَادَتْه الَاسْيَاف قَبْلَكمْ / هوَ اليَومَ لا يَحْتَاج إلاَّ لألسنِ /
وأخيراً: لا أملك إلا الدعاء أن يجعل الله هذه الرسالة خالصة لوجه الله الكريم، وأن يكون كلامها قد خرج من القلب، وأن يكون قد دخل في القلب، وأن يعين الله الجوارح على العمل بها.
وأن يعزنا الله بالإسلام، وأن يعز الإسلام بنا. وأن يستخدمنا في طاعته، وألا يستبدل بنا بذنوبنا.
وآخر كلمة أقولها: إن لم نستخدم، سيستبدل بنا. ورَبِّي لَقَدْ أَنْبَهت مَن كَانَ نَائماً / وَأَسْمَعت مَن كَانَتْ لَه أذنَانِ /