تقوم الجمعيات الخيرية مشكورة بجهد كبير يستهدف تزويد المحتاجين بالمواد الغذائية الرئيسية، ويتم ذلك من خلال تجهيز حزمة من المواد المتنوعة تحت مسمى «السلة الغذائية»، ويتم وضعها في عبوات مناسبة، أو أكياس بلاستيكية، وإيصالها للمحتاجين في منازلهم، أو دعوة المحتاجين لاستلامها من مقر الجمعية أو مستودعاتها. ولا شك أن ذلك العمل بوضعه الراهن يقدم خدمة للفقراء، ويلبي جزءًا من احتياجاتهم المهمة، ويسدّ ثغرة من الثغرات. وسبق لي – خلال السنوات الماضية – الاطلاع على عدد غير قليل من هذه السلال الغذائية، وبدت لي مجموعة من الملاحظات التي يمكن تلافيها، بهدف تعظيم الأثر، وتحقيق النفع. ولعل التفاوت في محتويات السلال وفقًا لاجتهاد القائمين على المشروع، من حيث الأنواع، والكميات يعدّ ملاحظة تستوجب التوقف خصوصًا مع تفاوت أعداد الأسر وأعمارهم وأجناسهم. كما أن توحيد محتويات السلة، مع وجود الاختلاف الطبيعي في الذائقة والمزاج لدى الأسر، يجعل بعض الأصناف فوق حاجتهم أو دونها، وقد يتكدس لدى هذا الأسرة صنف غير مفضّل، بينما يتكدس صنف آخر لدى أسرة أخرى، فضلًا عن توقيت نفاذ بعض الأصناف التي يكثر استخدامها لديهم، دون البعض. وفي مسعى لحل هذا الإشكال، قامت جمعيات أخرى بتوزيع بطاقات شراء – مالية – على تلك الأسر المحتاجة، بحيث يمكنها أن تشتري من متاجر محددة ما تشاء من المشتريات باستخدام هذه البطاقة التي يتم شحنها بمبلغ مالي في كل مرة. ورغم أن هذه الطريقة قد أدت إلى حل مشكلة تكدس بعض الأصناف، ونفاد أخرى، وألا تقتني الأسرة أي صنف سوى ما تحتاج إليه، إلا أن ذلك الحل قد أورث مشكلات أخرى، تتمثل في شراء الأطعمة غير ذات الأولوية، وصرف تلك المبالغ على أنواع من كماليات الطعام وغيره مما يكون ذا اولوية منخفضة أو بلا أولوية أصلًا، وترك شراء الأصناف التي تمس لها الحاجة، خصوصًا أنه من المعروف لدى العاملين في هذا القطاع أن قدرة الكثير من الأسر المحتاجة على تحديد أولوياتها بشكل صحيح أمر غير شائع، فضلًا عن كون قرار الشراء في هذه الحالة موكول إلى غير الراشدين. ومن هنا جاءت هذه الفكرة التي أزعم انها ستحقق الكثير من الفوائد، وتتلافى جملة من السلبيات، وهي فكرة أولية تحتاج إلى تطوير وتحسين ومزيد من الإنضاج. وهي تجمع بين الفكرتين المعمول بهما فيما سبق، فهي تعتمد على بطاقات الشراء مطبوعة كانت أم الكترونية والتي يتم منحها للمحتاج، ثم يتم شحنها في كل مرة ترغب فيها الجمعية بذلك، وفقًا لتقديراتها و توفر السيولة المالية لديها، لكن هذ البطاقة تحدد الشراء من (ركن محدد) في المتجر، لا يمكن تجاوزه إلى غيره، ويتم تنويع أصناف هذا الركن بحيث يشمل أولويات الطعام الرئيسة، وشيء من احتياجات الأطفال الرضّع، والاحتياجات التي لا غنى عنها للمرأة. كما تتم زيادة أو تغيير تلك الأصناف في ذلك الركن بين حين وآخر وفقًا لطبيعة واحتياجات الفئة المستهدفة بالسلة. وهذا الحل يحقق عددًا من المكاسب والضمانات، ومنها : * أن يأخذ الفقير الأصناف التي يحتاج إليها، وقد نفدت عنده. * أن يأخذ هذه الأصناف في الوقت الذي يحتاجه، وليس في توقيت محدد يلزم به. * مراعاة الفروق الفردية بين الأسر، والتي هي ناتجة عن العادات السائدة، أو عدد الأفراد، أو أعمارهم، أو وضعهم الصحي. * إمكانية احتفاظ الفقير بالرصيد المعطى له ونقله من شهر إلى آخر، لمراعاة الأشهر الأكثر حاجة لديه، دون الحاجة إلى استهلاك كامل الكميات المعطاة له أو الإسراف فيها لكثرتها. * أن قائمة الأصناف، بل وأنواعها، وأحجام عبواتها، تكون أكثر مما يتم وضعه عادة في السلال بكثير، ويمكن إضافة الفواكه والخضار واللحوم والبيض والخبز والحبوب والتمور وغيرها. * القدرة على تلبية المزيد من احتياجات الأسر من الأصناف، وإمكانية التجاوب السريع مع الأسر حين يتكاثر طلبهم لصنف ذا أولوية، بإضافته إلى الركن المذكور بشكل سريع. * القدرة على زيادة مخصص السلة لبعض الأسر أو تقليله وفقًا للتغير الحاصل في أعداد الأسرة. ويمكن أن يكون هذا الركن المشار إليه متوفرًا بالتعاون مع سلاسل المتاجر القريبة من الشريحة المستهدفة بالمشروع، كما يمكن أن يكون ذلك من خلال متجر الكتروني تابع لأحد المحلات القريبة، أو تابع للجمعية ذاتها، بحيث يقوم بتوصيل تلك الأصناف إلى الأسر وفقًا لتفضيلاتهم في حدود الرصيد المتبقي لهم، كما يمكن للجمعية أن تقوم بوضع هذا الركن في مقرها، بحيث يأتي الفقير إلى مقر الجمعية أو المستودع فيجمع من الأصناف ما يريد وفقًا للمبلغ المتوفر في رصيده. إنني أزعم أن هذا الحل سيغير خط الإنتاج للسلال الغذائية بشكل كبير، وسيعطي الجمعية – من خلال الأتمتة وإدارة المعلومات بشكل كفء- تغذية راجعة حديثة ومكتملة حول سياسات الإنفاق الغذائي التي تتبعها الأسر الواقعة تحت مسئوليتها، وسيطور من العمل بحيث يكشف الأصناف الأكثر طلبًا مما يتيح للجمعية بالشراكة مع باقي الجمعيات المجاورة أن يعملوا مع الموردين الرئيسيين بصورة مختلفة، ويستفيدوا من سلاسل الإمداد بالشراء الجماعي، أو الاشتراك الجماعي في المتاجر الإلكترونية والحصول على العديد من المزايا والتسهيلات للجمعية ومستفيديها. وأدرك – وأنا في نهاية المقال – أن هذا الحل له استثناءات، فلن يكون مناسبًا لكل الحالات، وبكل الأماكن، والأوقات، حيث توجد أسر لا يمكنها المجيء للمتاجر، ولا تتمكن من استخدام التقنية، أو يكون الظرف العام يتطلب أسلوبًا آخر في تقديم الخدمة، حيث سيكون العمل فيها بنظام السلال الغذائية المعتاد هو الأنسب، لكنني أتحدث في مقالي عن الكثير من الجمعيات والكثير من المحتاجين الذين يمكن تطبيق الحل معهم بكل كفاءة ويسر، وهم السواد الأعظم. أسأل الله تعالى أن يغني أولئك المحتاجين من فضله وكرمه وجوده، وأن يبارك في جهود العاملين على تلبية احتياجات الفقراء، والمتبرعين لهم، ولا أنسى أن أذكّر القائمين على خدمة هذه الشريحة المهمة، بحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، وأحسبه قال: وكالقائم الذي لا يفتر، وكالصائم الذي لا يفطر) متفق عليه. متمنيا أن يتم نقد الفكرة وتطويرها وتحسينها، وصولًا إلى تطبيقها على أرض الواقع، بما يحقق الخدمة للمحتاج والفقير بأيسر السبل وأكثرها نفعًا. وإلى ذلك الحين، دمتم بخير ،،، شعبان 1443 ه – الرياض حرسها الله محمد بن سعد العوشن