لن تطيب للإنسان حياة أو يقر له قرار أو يستريح له بال إذا فقد قيمته المعنوية أو تسلل إليه شعور بالدونية والنقص، وهذا الأمر فطرة فطر الله الناس عليها، لأن الإنسان السوي يعمل دائماً على أن تكون له تلك القيمة التي تشعره بأهميته في الحياة. وهذه القيمة لا تولد معه، بل يكتسبها مع مرور الزمن، فالعبرة لا بمظهره ولونه ومنصبه أو حتى بكمية النقود التي في رصيده، بل فيما يحسنه ويتميز به عن بقية الناس، وفي المقولة الخالدة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه "قيمة كل أمرئ ما يحسنه" والحديث عن هذا الجانب أصبح من نافلة القول فهو من المسلمات والقطعيات. والعبرة في صرف هذه الرغبة في مسارها الصحيح، فإذا تحققت للإنسان فلا تعجب من زهده فيما سواها من جاه ومكانة مؤقته ينالها هنا وهناك، لكنه عندما يفتقدها – خصوصاً في مقتبل العمر – فإنه يبحث عنها في شكليات ومظاهر، فيبدأ في تغيير مظهره ولبسه ومركبه وممتلكاته؛ ليسد النقص، ويشبع هذا الجانب، ويجلب له اهتمام الناس ونظراتهم وثناؤهم، ولسان حاله يقول " أنا موجود" ، وعندما يتقدم به العمر تتطور الأساليب فيبحث عنها في المكانة الإجتماعية والمنصب. وقد يمارس دور السلطة والنفوذ مع من هم تحت يده حتى يشعروه بأهميته وأنه فعلاً موجود، وله أثر في كل حركة وسكون، فالمظاهر والمكانة من أسرع الطُرق – في نظره – للوصول للأهمية التي ينشدها وتحقق له مراده. وكم نرى من المدراء من يمارس هذه الأدوار مع مرؤوسيه حتى لو تسبب ذلك في تعطيل أعمال أو مشروعات أو كان سبباً في إحباط الموظفين وتثبيطهم عن التطوير، وقل مثل ذلك عن بعض الموظفين فتجده يؤخر معاملات المراجعين وقد يعطلها أحياناً إن لم يستجديه المراجع أو يسدي له عبارات المديح والإطراء، ويضطره أحياناً لتجاوزه للمسؤول الأعلى ليحصل على خدمة مستحقة لا تتطلب من الموظف ثواني معدودة. وقد يمارس هذا الدور أيضاً الأب مع زوجته وأبناءه أو الأخ الكبير مع بقية أخوته، فيمارس معهم دور السلطة ليُشعروه بالمكانة والأهمية المزعومة. مهزوز الثقة ياسادة سيطرق أبواباً كثيرة لتكمل له هذا النقص، فإن فطن لهذا الجانب أراح واستراح. وإن بقي يلهث خلف القشور والمظاهر فلن يهدأ له بال ولن تروي له عطش، وسيتعب ويتعب من يتعامل معه. بقي القول يا سادة… ثقة الإنسان بنفسه وبالقدرات التي أودعها الله فيه، وبحثه في ميوله وقدراته الكامنة، مع عمله على تطويرها وتنميتها جميعها جوانب مهمة تشعره بالمكانة الحقيقية، ليصرف الرغبة فيما ينفعه في دنياه وأخراه.