همست في أذنه ليهدأ .. ولم يفعل، أحضرت له كأساً من العصير البارد لأهدئ من روعه .. دون جدوى، بل ظل غاضباً .. ثائراً .. منفعلاً، فأخذته بعيداً عن أعين الحضور وسألته عن سبب انفعاله، فوجدته سبباً تافهاً لا يستحق ردة الفعل هذه، وحتى ولو كان سبباً آخر كبير فكان ينبغي عليه أن يهدأ، لأنه إعلامي ومن المفترض أن يتحلى بالهدوء والسكينة، فالهدوء من شيم الكبار في العمل الإعلامي، وعنوان للرقي والتحضر، والهدوء تعبير عن شخصية قوية ومتماسكة، وبالعكس تماما ذلك الإنسان الذي يثور مثل ثورته لأتفه الأسباب، ويهيج لأسخف الأمور إنما يعبر عن إنسان ضعيف الشخصية، ركيك الفكر، مسلوب الإرادة، تماماً كالشجرة الضعيفة التي تؤثر عليها أبسط هبةً من الريح، ولا يرقى برأيي أن يقف أمام الناس ليحدثهم عبر شاشة، أما الإنسان الهادئ فهو ذو هيبة قوية كالشجرة القوية تمتد جذورها إلى أعماق الأرض فتزداد ثباتاً كلما عصفت الرياح بها. هيبة الإعلامي وشخصيته برأيي تبدأ من هدوئه، فالإعلامي الهادئ هو الذي يستطيع أن يفوز بقلوب الملايين وينال إعجابهم، والهدوء بكل ما يعنيه من معنى قادر على صنع العجائب، والتأثير حتى على تلك النفوس الغليظة التي يمكن أن تستفزك، كما استفزت صديقنا ذاك برسالة SMS فقد بها أعصابه وأخرجته عن شعوره ، فدعوتي لكم اليوم عنوانها الهدوء، ومضمونها السكينة، فكن هادئاً في تعاملك مع الآخرين، واستخدم لباقتك مع المسيئين إليك، تكلم معهم بعبارات ودية ورزينة تزداد هيبتك، وتستقر محبتك في قلوبهم، وهذا هو أقصر الطرق بنظري لكسب الآخرين محبين أو مغرضين، فالإعلامي ينبغي أن يكون ذلك الإنسان ذا الصنعة النفسية والعضوية محكمة الضبط، وعميقة الارتباط بالواقع المحيط، لهذا فإنه سريع التأثر بالتفاصيل والأمور المحيطة، وما تمثّله من ضغوط نفسيّة ومعنوية كبيرة، ولكنه ينبغي أن يبدو أمام جمهوره هادئاً ثابتاً متماسكاً، ولا ينساق وراء مسببات التبدّل والتحوّل ويستسلم لضغوط واهتزازات نفسية وحالات من التوتر والعصبية والتقلّبات المزاجية التي عادة ما تفقده طاقته الإيجابية وتفاؤله والعمل والإنجاز . هنيئاً للإعلامي الذي ينجح في مسايرة الظروف ويقدر على خلق سكينة وهدوء داخليين والتي نعدها أرفع درجات القيادة البشرية والتي نرجوها في العمل الإعلامي، ونظريات علم النفس الإعلامي تقول أن الشخص الهادئ قد يُقيم حوارا بداخل عقله لمساعدته على التفكير، فيقوم بالتخطيط والتقييم وتنفيذ الأفكار بهدوء قبل البوح بها، وهدوءه هذا بمثابة نقطةً من العسل التي يصيد بها قلوب متابعيه، والإعلامي الهادئ هو الإعلامي المثالي بنظر الخبراء، فهو رجل وديع لا يثور لأتفه الأسباب، عقله راجح، وخلقه عالٍ، وجاد في التعامل، كما أنه يفضل ملاحظة الآخرين وما يحدث حوله ليختار من أين يبدأ ؟ وماذا يقول؟ وكيف يقول ؟، ويتميز الإعلامي الهادئ بثقته بنفسه، ومعرفته لنقاط قوته وميزاته الشخصية، فهو يُقدّر الصفات الفريدة التي يمتلكها ويعتز بها، ويحرص على الحفاظ على إيجابيته في المواقف العديدة، ويُدرك بطبعه الهادئ أنّ التسرع سيتسبب في التهيج والاضطراب، ممّا سينتج عنه أخطاء عديدة، فهو يُحدّد المواقف التي تتطلب العجلة والتي سيترتب عليها خطورة إذا ما تمّ تأجيلها، أيّ أنّه يتصرف بحكمة، ويُقيّم الموقف، ويستطيع التأقلم مع مختلف المواقف، ويمتلك القدرة على تغيير مجرى المواقف العصيبة، التي يُفترض أن تكون مزعجة، فيتعامل معها بسلاسة أكثر، بخلاف ما فعله صديقنا هذا والذي يثور لأتفه الأسباب.