عفاف بنت عبدالعزيز الحقيل الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن والاه. عندما هممت بكتابة هذا المقال تدافعت الموضوعات الهامة والشائكة على قلمي، كل منها يمسك بزمامه، ويجذبه له؛ لعله يحظى بأولوية المداد! صدقاً.. إنني عندما أكتب عن المرأة لا أعرف من أين أبدأ، ولا بمَ أبدأ؟ هموم كثيرة تتزاحم وتتراكم حولها، ومظالم رسمية وشخصية تحيط بها، وتضيق الخناق عليها، في أخصّ شؤونها، ثم يأتي ناعق إمعة ليدعي أن حقوقها أن تجلس خلف مقود السيارة، أو تلعب كرة القدم في مدرسة!! حقوق المرأة المسلمة عموماً، والسعودية خصوصاً ليست مِنةً يمنَ بها المجتمع عليها، أو يمنحها إياها صاحب قرار أو متنفذ، بل هي أحكامٌ سماوية، وشريعة من الله تعالى، لا تقبلُ المزايدة ولا المقايضة. المرأة في ديننا ليست إنساناً عادياً، بل هي إنسان له منزلة خاصة، وتقدير خاص، تبسطه الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة، حتى إن المحدثين جعلوا في كتب التفسير والحديث أبواباً عن المرأة، والحث على حفظ حقوقها، ومن المألوف والمتكرر في الكتب الشرعية أن نجد عشرات الأبواب في الوصية بالنساء، والمداراة مع النساء، وعن أحوال النساء، وأحكام عشرتهن وحقوقهن وواجباتهن، في سياق بديع رفيع من العناية والاهتمام والتقدير. ولم يعرف التاريخ الإسلامي عصراً أُهدرت فيه حقوق المرأة المسلمة كعصرنا هذا! هل كان أسلافنا يتخيلون أن تخرج المرأة وتترك أطفالها عند من لا يؤمن جانبه؛ لتعمل وتنفق على نفسها وعليهم؟! هل كانوا يتخيلون أن تضطر حرة أبية إلى أن تعمل بين الرجال؛ لتحصيل لقمة عيشها، أو عيش أسرتها؟! هل مرّ بخلدهم أن تخرج تلك القارورة الضعيفة، مقهورةً مغبونة؛ لتسافر مئات الكيلومترات يومياً ذهاباً وإياباً تحذر الموت؛ سعياً وراء وظيفة تغنيها عن الحاجة والسؤال؟! هل خطر لهم أن تضطر المرأة المسلمة في بلاد الحرمين للمطالبة والرجاء والمناشدة وملاحقة الهاشتاقات، بأن يستمر صرف مبلغ زهيد لها من بيت مال المسلمين، يكفيها ذلَّ الحاجة، وسوءةَ الفقر، تحصل عليه بعناء التحديثات، ومفاجأة الدورات المباغتة، مغموساً بالعنت والمشقة، ثم فجأة يُمنع عنها هذا ال (حافز)؟! هل طاف بفكرهم أن تضطر الأبية العفيفة إلى المناشدة والرجاءات تلو الرجاءات، بأن يحفظ الوطن سترها وغطاء وجهها، فلا يتم إجبارها على كشفه وتصويره، ووضعه على بطاقة هويتها، مع أنه يمكن الاكتفاء ببصمة يدها؟! لا والله.. ما كانوا يتخيلون ذلك ولا يظنونه يحدث، ولو حدث لديهم لفدوها بمالهم، وما يملكون، لتشبع وإن جاعوا، وتغتنيَ وإن افتقروا، وتصون سترها بأرواحهم ومهجهم، فإنها عوان لديهم، وهي وصية نبيهم: "أَلا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْراً فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ"، "اسْتَوْصُوا بِالِّنسَاءِ خَيْرِاً"، "رِفْقَاً بِالقَوَارِيْرِ"، وغيرها كثير. وإننا وإن كان الواقع مرَاً ومؤلماً، إلا أننا نرى تباشير الفرج تلوح لربيبة التوحيد، وبنت هذه المملكة المباركة في حكم والدنا خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز – حفظه الله – فكم تضع المرأة السعودية في أبي فهدٍ آمالها – بعد الله تعالى – أن ينظر في قضاياها، وأن يحفظ لها حقوقها الحقيقية، وليست حقوق ثلةٍ مستغربة تحمل أجندة التغريب، وتدعي نصرة حقوق المرأة. المرأة السعودية تعلق على خادم الحرمين الشريفين آمالاً طال انتظارها، أن تعيش عزيزة مكرمة، تخدم وطنها إذا عملت في بيئة عمل شرعية آمنة، دون أن تضطرها الحاجة إلى عملٍ مختلط، أو سفرٍ بعيد على مراكب الموت يومياً، ودون أن تنتظر لسنواتٍ دورها الذي لا يصل أبداً في قوائم التوظيف! وربة المنزل السعودية تنتظر تقديرها براتب مقطوع وكافٍ، فهي تعمل العمل الأهم والأخطر على الإطلاق، وهو التربية وتحصين الناشئة. والمنتقبات السعوديات ينتظرن الأمر السامي الكريم، بإقرار البصمة إلزاماً لهوياتهن الرسمية، دون إلزامهن بالصورة.. و………….. هل رأيتم؟! ألم أقل لكم؟! ها هي الموضوعات المزدحمة على قلمي تحرمه الكتابة في أحدها، وتمنعه الاكتفاء بواحد منها؛ ليأخذ كل منها منه بطرف.. ولتذكرني قول الشاعر: تكاثرت الظباء على خراشٍ.. . فما يدري خراشٌ ما يصيد؟! اللهم يا حي يا قيوم، يا رحمن السموات والأرض ورحيمها، احفظ بلادنا من كل شر وسوء، واحفظ نساءنا ونساء المسلمين من كل بلاء وفتنة، وهمٍ وغم، اللهم وأغنهن بحلالك عن حرامك، وبفضلك عمن سواك، وكن عوناً ونصيراً لمن استرعيته أمرهن بما يرضيك عنه فيهن، أنت ولينا في الدنيا والآخرة، وأنت على كل شيء قدير. اللهم آمين.