أَجلبت علينا الشهوات بخيلها ورَجلها، وذُللت لنا تذليلاً، تيسر لنا اقتراف الشهوات المحرمة والإسراف في الشهوات المباحة ما لم يتيسر في زمن سابق، لا حاجة للخروج من المنزل فبضربة زر نستطيع الوصول للشهوات أيا كانت: نظر، سماع، محادثة، بيع،… إلخ. ولا يسلم من الشهوات المحرمة إلا من عصمه الله فتربى على مراقبة مولاه “الله ناظر إلي.. الله مطلع عليّ”. وربنا سبحانه حين خلقنا لم يتركنا سدى، فأنزل لنا كتاباً تبياناً لكل شيء، نقتبس من نوره ما يضيء به طريقنا إليه، حيث بين لنا من أهم أسباب مقارفة الشهوات تضييع الصلوات ﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ﴾. كم عدد من يصلي من المسلمين صلاة الفريضة؟ كم عدد من لم تفته تكبيرة الإحرام والصف الأول في صلاة الفرض شهراً كاملاً؟ كم عدد من يحافظ على أدائها في وقتها؟ كم عدد من يحافظ عليها مع الجماعة؟ كم عدد من يسرق منها فلا يتم ركوعها ولا سجودها؟ كم عدد من يمر عليه أسبوع دون أن يسجد للسهو؟ كم عدد من ينصرف من صلاة التراويح ويستطيع أن يخبرك بماذا قرأ الإمام في صلاة العشاء؟ كم عدد من ينصرف من صلاته وهو مستحضر للدعوات التي لهج بها لسانه في سجوده؟ كم عدد من يجلس في مصلاه حتى يفرغ من أذكار الصلاة دون أن يلتفت لجواله؟ كم عدد من يتلذذ بها مستشعراً: “وجُعِلت قُرَّة عيني في الصلاة” “أرحنا بها”؟ كم وكم وكم…. ؟ من المحال حصر الأعداد لكن وقائع الحياة تشهد بأننا بصدد مشكلة، فالمساجد تكتظ في رمضان وقت صلاة التراويح وهي سنة، وتخف في صلاة الفريضة وهي ركن!! وكل مشكلة نريد حلها لا بد أن نتبع فيها خطوات محددة بدءاً بفهمها وتشخيصها، ثم وضع خطة علاجية لحلها قابلة للتطبيق، مروراً بالعمل الجاد على تنفيذ الحلول المقترحة بعيداً عن المثالية والكمال، ختاماً بمراجعة النتائج ومعرفة الحلول المثمرة لتعزيزها والضعيفة لمعالجتها مع استبعادٍ للحلول التي لم تثمر. وبلغة ميسرة بعيدة عن التعقيد نعود لجيل أجدادنا بفطرتهم السوية – رحمهم الله ووسع قبورهم – ماذا عملوا لغرس قيمة صلاة الفرض وأهميتها في نفوسهم ونفوس أبنائهم رغم افتقادهم للانفتاح العلمي والمعرفي والتنوع في أساليب التربية الذي نعيشه؟! وقبل أن نقرر أهمية الصلاة وأنها عماد الدين وصلة بين العبد وربه، وتنهاه صلاته الخاشعة عن الفحشاء والمنكر، لا بد من تعميق المعرفة بالله تعالى، وتوثيق الصلة به سبحانه، وتبديد حجب الجهل بتلك الأسماء والصفات التي تُعَدُّ السبب الأهم في ضعف استشعار قيمة الصلاة وأهميتها، فما تشهده وقائع الحياة اليومية في المجتمعات الإسلامية تُشير بجلاء إلى شيوع هذا المرض الخطير في النفوس واختراقه حُجب الأفئدة. فالجهل بالله لا يُولِّد إلا ضعفاً في العقيدة واضطراباً في اليقين ينعكس بدوره سلباً على الأفعال والسلوك. فتطعيم النفوس بترياق العلم بأسماء الله الحسنى وصفاته العلى، علاج لكثير من مشاكلنا المنطوية تحت لواء عدم تقدير الله وتعظيمه “وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ”، فحتى أُعظم الأمر في النفوس لا بد من تعظيم الآمر سبحانه. وكذلك تطعيم النفوس بفقه الأولويات لتتوازن الحياة.