دعونا نتصور أن أحد التجار أراد بناء ناطحة سحاب في إحدى المُدن، والمدة المتوقعة لإنجاز المشروع هي عشر سنوات، ومنذ بداية التنفيذ يأتي أحد المعجبين بأعمال هذا التاجر، ويجلس يومياً في محل القهوة المقابل للمشروع؛ ليحتسي كأساً من القهوة، ويشاهد مراحل البناء!!! حتى أتم التاجر مشروعه في المدة المحددة، وبدأ في تأجير البرج وحصد ثمرات عمله خلال تلك المدة، وصاحبنا المعجب لا يزال يتذوق كأس القهوة، ويتابع جمع التاجر للأموال، ولم يزد على التمني بأن ينال ما ناله ذلك التاجر!!! ماذا سنقول عن هذا المعجب بعد أن أمضى عشر سنوات في التمني ومتابعة صنيع التاجر دون أدنى عمل يقوم به؟ فكيف لو علمنا بأن كثيراً من الناس يقوم بنفس الصنيع، فتجده يمضي وقته وعمره في متابعة حياة الآخرين، وينشغل بيوميات المشاهير أين ذهبوا.. وماذا أكلوا.. وأين جلسوا.. وماذا فعلوا.. وهو متكئ على أريكته وأمامه كأس القهوة، مستمتعاً في “منطقة الراحة” التي يعيشها – والتي سنفرد لها مقال الأربعاء القادم بإذن الله – وجَعَلَ من هؤلاء المشاهير شغله الشاغل، دون أن يفكر في بناء نفسه، وتطوير ذاته، أو أن يعيش في حال أفضل مما هو عليه. وعندما ننظر في حال من تكثر متابعتهم في وسائل التواصل؛ نجد قلة منهم متخصصون يقدمون محتوى هادف لمتابعيهم، بينما يغرق البقية في توثيق يومياتهم، في الأسواق والمطاعم، في الداخل والخارج، وربما لا يتورع البعض منهم في تصوير ما يدور داخل بيوتهم. بحثاً عن ما يثير اهتمام الجمهور، والحصول على المزيد من المتابعات. وهؤلاء علاوة على أن الفائدة من متابعتهم قليلة ونادرة؛ فقد تحدث متابعة يومياتهم في النفس حزن وحسرة على أن لم تبلغ ما بلغوا، و لم تصل لما وصلوا إليه، و لم تسكن الأبراج التي سكنوا، أو تزور الأماكن التي زاروا .. خصوصاً أنهم يحرصون على تصوير أفضل ما عندهم، وهذا أيضاً يجعل الشخص لا يستشعر ما هو فيه من خير ونعمة، لأنه ينظر لمن هو أعلى منه في الماديات، وفي الحديث (( انْظُرُوا إِلَى مَنْ هو أَسفَل مِنْكُمْ وَلا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوقَكُم؛ فهُوَ أَجْدَرُ أَن لا تَزْدَرُوا نعمةَ اللَّه عَلَيْكُمْ )) متفقٌ عَلَيْهِ. ولاشك بأن لأفراد المجتمع ومؤسساته دور مهم في المحافظة على قيم المجتمع، والمساهمة في صناعة الرموز أو ما يطلق عليهم بالنجوم والمشاهير، فيدعمون ويشجعون من يرون فيه إضافةً لمجتمعهم وترسيخ لقيمه، ويبعدون ويبتعدون عمن في شهرته هدم لقيم مجتمعهم، ومن المؤسف أن تستضيف بعض القنوات الفضائية بعض المشاهير الذين ظهرت منهم سلوكيات تخالف قيم المجتمع. بقعة ضوء .. حياتك لها قيمة؛ إن استشعرت ذلك، وبذلت من أجلها، فلا تضيعها بمتابعات لا تضيف سوى إشباع الفضول عندك وإضاعة وقتك فقط. وتذكر أن الجليس بمجالسه، وهذا الذي تتابعه ستتطبع بطباعه، وتأخذ من صفاته، حتى ولو لم تجتمعا في مكان واحد. يسرني تواصلكم @m2025a