أوضح فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام، الشيخ الدكتور صالح بن حميد، أن عبادة الله هي الغاية المحبوبة لله، خلَق الخلق لأجلها، وأرسل الرسل لإبلاغها، وأنزل الكتب لبيانها، مدَح القائمين بها، وتوعد المستكبرين عنها، فالعبادة هي الأنس بالله، والسرور بمناجاته سروراً لا ينقطع، وبهجة لا تنتهي، فمن أراد السعادة فليلزم العبادة، فالعبادة للقلوب أهم من الطعام والشراب للأبدان. وقال فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم بالمسجد الحرام: "إذا ضاقت نفسك، ودخل عليك الضجر، وأحسست بالحاجة إلى الشكوى، وحزبك أمر، فافزع إلى قرة عيون الموحدين، وراحة نفوس المؤمنين، وربيع قلوب المخبتين، افزع إلى أم العبادات، وتاج الطاعات، افزع إلى ما كان يفزع إليه حبيبك ونبيك محمد (صلى الله عليه وسلم) افزع إلى الصلاة، فقد قال عليه الصلاة والسلام (أرحنا بها يا بلال). وأضاف فضيلته يقول: "إنهم الموفقون أهل التقى والهدى، المعلقة قلوبهم بالمساجد، المبكرون إلى الصلوات المشّاؤون في الظلمات، المجيبون داعي الفلاح، المتسابقون وإلى الصف الأول سابقون، المدركون تكبيرة الإحرام مع الإمام، فالتبكير إلى الصلاة وانتظارها، والاشتغال بالذكر وقراءة القرآن قبلها من أعظم جالبات الخير والسعادة، ومفرجات الضيق والهموم، وإنه إذا تمكن حب الصلاة من القلب فلن يجد حلاوة ألذ منها، وحين يمتلئ القلب بالخشوع يفيض على الجوارح أدباً وسكوناً، مستشعراً جلال من يقف بين يديه، يصلون وهم يعلمون ما يقولون، وقلوبهم بذكر ربها مطمئنة". وعدّ فضيلته المبادرة والتبكير دليل تعظيم الصلاة وتوقيرها، ومحبتها وتعلق القلب بها، وعمران بيوت الله بالاشتغال بها، وأن منتظر الصلاة تصلي عليه ملائكة الرحمن، وتدعو له بالمغفرة والرحمة ما دام في مصلاه ما لم يحدث أو يؤذِ، كما أن انتظار الصلاة سبب لمحو الخطايا ورفع الدرجات. وبين فضيلته أهمية التبكير إلى الجمعة؛ ذلك أن الملائكة تكون يوم الجمعة على أبواب المساجد يكتبون الأول فالأول، فإذا جلس الإمام طووا الصحف، وجاؤوا يستمعون الذكر. وشدد على أهمية الصلاة فمن حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نوراً ولا برهاناً ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع قارون، وفرعون، وهامان، وأُبي بن خلف، موصياً فضيلته المسلمين بالمبادرة إلى الصلوات الخمس، مع الخشوع والتذلل لله سبحانه وتعالى. وقال: "إن الله قد أسبغ علينا في بلادنا بلاد الحرمين الشريفين المملكة العربية السعودية، وأنعم علينا نعماً كثيرة كبرى، ووفق لإنجازات عظمى في إصلاح وبناء ونماء، رغم كل ما يحيط بالمنطقة من ظروف وحروب وفتن واضطرابات، فالحمد لله على هذا الأمن والرخاء والاستقرار ووحدة الصف وتلاحم القيادة والأمة، بلاد طيبة تحب الخير للجميع وتتعاون مع الجميع في نصرة الدين والحق والعدل والسلام"، وأضاف يقول: "كم وجه قائد البلاد – حفظه الله – من نداءات، وقام بمبادرات لجمع الكلمة، والتحذير من تنامي خطر الإرهاب، ومحاولات تشويه صورة الإسلام، بل نادى بإنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب إدراكاً منه – حفظه الله – لأهمية التصدي لهذا الوباء الذي يهدد العالم كله بجميع دوله ودياناته ومذاهبه، مواصلاً مساعيه المباركة الهادفة إلى تحقيق الاستقرار في المنطقة، وتجنيب الأشقاء ويلات النزاع والفتن". وأردف فضيلته يقول: "نعم هذه بلادنا بلاد طيبة تقوم على الإسلام، وحسن المعتقد، وسلامة المنهج في تحكيم لكتاب الله وسنة رسوله محمد (صلى الله عليه وسلم)، والسير على نهج السلف الصالح منهج الصدق مع الله، والصدق مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، والصدق مع من ولّاه الأمر، ومع الأنفس، ومع الأمة، بنهج وسط لا غلو فيه ولا تفريط"، مبيناً فضيلته أن منهج السلف التزام وليس ادعاء ليس فيه طوائف يبدع بعضها بعضاً، أو يلعن بعضها بعضاً، أو يكفر بعضها بعضاً، وليس منهج تصنيف ولا تكفير، ولا عنف ولا تفجير، منهج يستمسك بالكتاب والسنة، ويرجع إلى أهل العلم الربانيين الثقات الذين يعرفون المصالح والمفاسد والموازنة بينها، ممن شابت لحاهم في الطلب والتحصيل، وانحنت ظهورهم تعلماً وتعليماً، ومدارسة علماء ثقات راسخين من الأثبات لا يسكتون على باطل، بل يناصحون في صدق وإخلاص مشافهة ومكاتبة في سر وعلانية، من غير أن يفتحوا أبواب الشر على الناس لتستباح الحرمات، وتراق الدماء وتنزع الثقة، لا يجعلون عدم قبول نصحهم سبباً في ركوب موجة الخروج والعنف والتأليب، فضلاً عن التكفير، بهؤلاء العلماء وعلمهم وحسن منهجهم يحفظ الله الزمان من الفتن والشرور، وبمسلكهم وفقههم تكون السكينة والاستقرار. وشدد فضيلته على أنه من المؤلم أن ترى ابنك، الذي علمته وربيته على هذا المنهج الواضح، والمسلك البين، والصلاح الظاهر، تراه يتربص ببلده ويغدر بأهله، ويعمى ويعجز أن يعرف عدوه الحقيقي، مغرراً به مسكيناً يحمل المال والسلاح يولي أعداءه ظهره، ويستقبل بالقتل والتخريب أهله وبلده في تصرفاتهم الرعناء، وإقداماتهم الحمقاء تأتي هذه العملية الغادرة البائسة اليائسة على حدودنا الشمالية. وفي المدينةالمنورة، تحدث فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي بالمدينةالمنورة، الشيخ علي بن عبدالرحمن الحذيفي، في خطبة الجمعة اليوم، عن محاسبة النفس والتحكم فيها، موصياً المسلمين بتقوى الله تعالى، بالتقرب إليه بما يرضيه، والابتعاد عن ما يغضبه. وقال فضيلته في خطبة الجمعة: "إن فلاح الإنسان وسعادته في التحكم في نفسه، ومحاسبتها ومراقبتها في كل صغيرة وكبيرة بالأقوال والأفعال، فمن حاسب نفسه وتحكم في أقواله وأفعاله وخطواته بما يحب الله ويرضى، فقد فاز فوزاً عظيماً قال الله تعالى: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فإن الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى). وأضاف: أن المؤمن يحاسب نفسه ويراقبها ويقيمها على أحسن الأحوال، فيحاسب نفسه على الأفعال، فيجاهدها في العبادات وفي الطاعات ليأتي بها كاملة الإخلاص، نقية سليمة من كل شوائب الابتداع والرياء والعجب بالعمل، مبتغياً في عمله وجه الله والدار الآخرة. وأكد فضيلته أن على المسلم أن يحاسب نفسه في نطقه وكلامه، فلا يطلق لسانه بالكلام بالباطل والمحرم من الألفاظ، متذكراً أنه قد وُكل به ملكان يكتبان كل ما نطق به لسانه، وكل ما عمل من عمل فيثاب به على ذلك، أو يعاقب، مستدلاً بقوله تعالى: (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَاماً كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ)، وحديث أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ (صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: (إنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالاً يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالاً يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ). وبين فضيلة الشيخ الحذيفي، أن مجاهدة النفس من الخطرات والواردات على القلب والوساوس فيه فلاح وفوز للمسلم؛ لأن مبدأ الخير والشر من خطرات القلوب، ووارداتها، وإن غفل المسلم عن وساوسه وتقبلها أوردته المحرمات، مستدلاً بقوله تعالى: (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم). وحث فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي، الشيخ علي بن عبدالرحمن الحذيفي، في ختام خطبته على محاسبة النفس ومجاهدتها؛ لأن ذلك طريق لزيادة الحسنات، والبعد عن السيئات، والخروج من الدنيا حميداً والبعث سعيداً.