إنه مهجر النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، وثاني أقدس البقاع، تهفو قلوب المسلمين إليها شوقاً وحنينا، طيبة الفيحاء، وطابة الغراء، على ثراها مشى سيد البشر، تضم بين جنباتها أول مسجد بني في الإسلام، خطه النبي صلى الله عليه وسلم بيده، ووضع لبناته الأولى، فما قصة قباء حتى أصبحت تلك القرية الصغيرة معلماً تاريخياً وحضارياً، تُعبر بمداد من نور عن تلك الحقبة الزمنية، التي عاش فيها خير القرون، وأصبح مسجدها يقصده كل من تحط رحاله على أرض المدينة المقدسة. هجرة وبناء وفي يوم تاريخي بقرية قباء جنوب غرب المدينة، موطن بنو عمرو بن عوف من الخزرج، كان استقبالاً بهيجاً لمن أحبه الأنصار قبل أن يروه وحداهم الشوق للقياه، وجعلهم يترددون كل يوم في حر الصيف فرحاً بقدومه، استقبلوه شيباً وشبابا، نساء وأطفالا، كل منهم يتمنى أن يظفر باستضافته في بيته، فنال ذلك الشرف كلثوم ابن الهدم وسعد ابن خثعمة رضي الله عنهم. شرع عليه الصلاة والسلام فوراً في بناء أول مسجد في الإسلام، بدأ البناء بنفسه ووضع بيده الشريفة لبناته الأولى، ثم أمر المهاجرين معه بالبناء، وتبعهم الأنصار، لكأني انظر إلى الفرح والبشر على قسمات وجوههم وهم يؤسسون دولة الإسلام فرضي الله عنهم وجزاهم خيراً على ما قدموا لهذه الأمة. مراحل تجديده وعمارته اهتم المسلمون بعمارة المسجد وتوسعته، فجدده الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه، ثم عمر بن عبدالعزيز في عهد الوليد بن عبدالملك، وتتابع الخلفاء والسلاطين من بعده على تجديده، حتى جاءت توسعة الملك فهد بن عبدالعزيز عام 1405ه وانتهت في عام 1403ه. كما تقوم هيئة تطوير المدينةالمنورة بالاستعداد لبدء مشروع توسعة مسجد قباء والمنطقة المحيطة به، لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الحجاج والزائرين، ومن المتوقع أن يستوعب مسجد قباء بعد اكتمال التوسعة 55 ألف مصلي. تطوير الجادة التاريخية أزقة ومباني منطقة قباء لها في قلوب أهل المدينة ذكريات خاصة، فيها العديد من الآثار والمباني القديمة التي تنبئك عن تاريخها وحضارتها وارتباطها بالعصر النبوي، تجذبك مزارع النخيل المحيطة بالمنطقة، وتشدك مزارع الفواكه والخضار والعنب لخصوبة أرضها، ونقاء هوائها، ومع النمو العمراني انحسرت المزارع مع مرور الوقت. كما يربط المسجد النبوي بمسجد قباء درب السنة أو ما يسمى بشارع قباء وهو بطول 4 كيلو تقريباً، ويعد من أقدم الشوارع الرئيسة في المدينةالمنورة وأصبح خلال السنتين الأخيرتين مسارات خاصة بالمشاة والزوار للذهاب لمسجد قباء، وذلك لإحياء سنة النبي صلى الله عليه وسلم. وتعمل هيئة تطوير المدينة على تطوير هذه المنطقة لتصبح مركزاً حضارياً متكاملاً، بمتابعة من أمير المدينةالمنورة فيصل بن سلمان _ حفظه الله_ بهدف الاستفادة من هذه الجادة لتكون معلماً ثقافياً واجتماعياً لساكني المدينة وزائريها. ولا يزال العمل جارياً لاستكمال مشاريع الأرصفة وتحسين واجهات المباني ضمن مشروعها أنسنة المدينة بما يتوافق مع هوية وتاريخ المكان، ويتوقع أن يشهد المشروع إنشاء واحد من أكبر أسواق التمور في المدينةالمنورة وعدد من الأسواق الشعبية، بالإضافة لعدد من المتاحف، وقد قام سمو أمير المدينة خلال الشهر الماضي بوضع حجر الأساس لبناء مقر لمعرض القرآن الكريم وآخر للسنة النبوية. معرض مأرز الإيمان من المرافق الجديرة بالزيارة معرض "مأرز الإيمان" والذي يقع في باحة مسجد قباء وفي واجهته الجنوبية ويقوم عليه مركز الدراسات والبحوث في المدينةالمنورة، يمكن للزائر أن يتعرف من خلاله على تاريخ المدينةالمنورة وما ورد في فضلها والمواقع الأثرية فيها، كما يحتوي على العديد من المجسمات التوضيحية لها في بداية العهد السعودي والعديد من المخطوطات والصور القديمة، ليخرج الزائر بتصور ذهني كامل عن المدينة من جميع جوانبها التاريخية والجغرافية والاقتصادية.. فهو جدير بالزيارة. مكانة عظيمة المكانة التي يتميز بها مسجد قباء في قلوب المسلمين مكانة عظيمة، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيه كل سبت راكباً وماشياً، ويصلي فيه ركعتين. وثبت عنه أنه قال: «مَنْ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ ثمَّ أَتَى مَسْجِدَ قُبَاءَ فَصَلَّى فِيهِ صَلاَةً كَانَ لَهُ كَأَجْرِ عُمْرَةٍ». أخرجه النسائي وابن ماجه. الليالي الرمضانية في قباء وللمشاهد الرمضانية في مسجد قباء قصة أخرى، فالمسجد ما بين قارئ قرآن، ومسبح وذاكر، وخاشع وداع، فما أجملها من أيام وليالي فاضلة. ما أن تقبل على المسجد حتى يتلقاك الجميع رغبة في أن تفطر على مائدتهم، حتى كادت مهمة التصوير للتقرير ألا تستكمل فالكل تسابق على دعوة مراسل الصحيفة للإفطار على سفرته. يرتفع الأذان من مآذن قباء ليفرح الصائمون بفطرهم ويتناولوا ما أحل الله لهم من مأكل ومشرب على سفرة واحدة تجمع أبناء الأمة الواحدة، لا فرق بين صغيرهم وكبيرهم غنيهم وفقيرهم أبيضهم وأسودهم جمعهم دين واحد على اختلاف طبائعهم وبلدانهم. وبعد الإفطار تستعد القلوب المؤمنة لصلاة العشاء والتراويح ليحيوا ليلهم بالوقوف بين يدي الله متدبرين آياته خلف أصحاب الأصوات الندية، أئمة يتناوبون على إمامة التراويح في مسجد قباء وهم الشيخ الدكتور عماد حافظ والشيخ وليد الشمسان والشيخ عبدالله القرافي والشيخ يوسف الشيعي، نسأل الله لنا ولهم القبول. خدمات كبيرة وتقدم الجهات المعنية خدمات جليلة لقاصدي مسجد قباء وذلك بتنظيم المواقف المحيطة بالمسجد ومنع الجلوس في الممرات أو التسبب في إعاقة المصلين، كما وفرت وزارة الشؤون الإسلامية 30 مراقباً ومراقبة يقومون بتنظيم الدخول والخروج، وعملت على تركيب لوحات الكترونية إرشادية للزوار بعدة لغات. ووضعت الوزارة التنظيمات اللازمة لموائد الإفطار حفاظاً على نظافة المسجد، كما وفرت حافظات زمزم للمصلين بالتعاون مع وكالة الرئاسة العامة لشؤون المسجد النبوي، وذلك حرصاً على راحة المصلين وأن يؤدوا عباداتهم براحة وطمأنينة.