اكتشفت بعثة علمية سعودية من قطاع الآثار والمتاحف بالهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، أخيراً، في موقع الأخدود بمنطقة نجران، جرة فخارية تحتوي على عملات نقدية يزيد عددها على 1000 قطعة، وأختام معدنية، وأحجار عليها نقوش بالخط المسند الجنوبي تعود لفترة القرن الأول الميلادي، في حدث أثري نادر، وذي قيمة علمية كبرى حيث يدل على الازدهار الحضاري والاجتماعي والسياسي لموقع الأخدود في منطقة نجران. وبحسب ‘‘عكاظ‘‘ يمثل موقع الأخدود الأثري نموذجاً للمدن المميزة لحضارة جنوب الجزيرة العربية وهو الموقع الذي كانت تقام عليه مدينة نجران القديمة، التي ورد ذكرها في نقوش جنوب الجزيرة العربية باسم (ن ج ر ن) ويعود تاريخ القلعة أو القصبة التي تشكل العنصر الأبرز في الموقع إلى الفترة الممتدة من 500 ق.م إلى منتصف الألف الأول الميلادي، وهي فترة الاستيطان الرئيسية للموقع. وقد أجريت العديد من الحفائر الأثرية بموقع الأخدود ومن أهم المعثورات التي وجدت في الموقع: كسر فخارية كونت بعد ترميمها مجموعة من الجرار كانت تستخدم للتخزين، وعدد من الطاسات الفخارية المتنوعة من حيث الشكل وطريقة الصناعة أو المواد المضافة إليها. يذكر أن منطقة نجران، تعد من المناطق الضاربة في أعماق التاريخ، حيث مرت عليها حضارات متعددة وضعتها من أهم المدن التي تزخر بالآثار والنقوش التاريخية، ويصل عدد المواقع الأثرية في المنطقة إلى أكثر من 100 موقع أثري. وأظهرت الاكتشافات الأثرية الأخيرة في منطقة نجران، التي تمت من خلال فرق سعودية ودولية متخصصة بإشراف الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني حضارات تعود إلى العصر الحجري كانت تعيش في هذه المنطقة. وتمتد أصول حضارات نجران حسب آخر الاكتشافات الأثرية إلى العصر الحجري القديم الأعلى، حيث عثر الباحثون فيها على آثار حضارة إنسانية تعود إلى أكثر من مليون سنة، كما عثر الباحثون على أثر بحيرات قديمة جداً تلاشت في العصر الحالي تدل على أن تلك المنطقة الواقعة في أحضان الربع الخالي كان لها أهمية تاريخية ما جعلها نقطة ارتكاز في صراع الممالك العربية القديمة الراغبة في السيطرة على تلك الواحة الخضراء التي يشكل موقعها أهمية اقتصادية بوصفها ممراً رئيسياً لأحد أهم طرق التجارة القديمة. وساهم موقع نجران الاستراتيجي في أن تكون ممراً لقبائل غرب ووسط الجزيرة العربية، كما تميزت بوجودها بين دول ذات حضارات؛ الأمر الذي جعلها مركزاً مهماً عبر طريق التجارة القديم، الذي يتجه إلى شمال شرق الجزيرة العربية، وصولاً إلى بلاد ما بين النهرين أو مكةالمكرمة والمدينة المنورة والعلا ثم البتراء وبلاد الشام ومصر. وشهدت نجران طوال تاريخها أحداثاً مهمة، تمثلت في الحملات العسكرية العديدة التي تعرضت لها من قبل القوى العظمى في فترات مختلفة من التاريخ، التي أدى بعضها إلى حصارها واحتلالها أو تدميرها أو الانضواء تحت لواء هذه القوى، وسجلت في نجران قبل أكثر من 1500 عام حادثة الأخدود التي ذهب ضحيتها الآلاف من أبناء المنطقة في محرقة عظيمة، عندما أقدم ذو نواس، آخر ملوك التبابعة على الانتقام من مسيحيي نجران، عندما رفضوا الإشراك بالله والتحول عن ديانتهم النصرانية إلى إليهودية (وقد ورد ذكر الحادثة في القرآن الكريم في سورة البروج). وتتمتع المنطقة بوجود آثار ومواقع هامة تعود للفترات البيزنطية والأموية والعباسية، وكلها تؤكد أن المنطقة كانت ذات موقع تجاري وزراعي مهمين، كما أنها ذات عمق حضاري لافت. وتعد نجران، بما سجله التاريخ فيها، متحفاً تاريخياً بعد اكتشاف آثار عديدة، منها نقوش وكتابات بالخط المسند؛ وهو الخط الذي استخدمته دولة (حمير) بين (115ق.م و14م)، وقد حلت رموز وإشارات النقوش الموجودة نظراً لقربها من الكتابة العربية، حتى أنه عثر على نقوش هيروغليفية ومصرية قديمة في المنطقة بين قرية (القابل) شمالاً (والسودا والحمر) جنوباً، يعود تاريخها للعصور الإسلامية الأولى. كما وجدت نقوش كوفية أخرى على صخور جبل (المسماة) الذي يقع على بعد 15 كيلومتراً من منطقة نجران، وإضافة إلى هذا كله تم العثور على رسوم للخيول والجمال والنعام والظباء والثعابين، ومصنوعات يدوية مهمة، منها أدوات طحن الحبوب وبئر ارتوازية مبنية بطريقة هندسية دقيقة.