استهل إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن محمد آل طالب، خطبة الْجُمُعَة قَائِلاً: أوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله فِي السر والعلانية، فهي الباعث على الصلاح والحاجز عن الإثم، وهي العدة والرابط الوثيق على القلوب عند الفتن، وهي الزاد للآخرة (واتقوا يوماً ترجعون فيه إِلَى الله ثم توفى كل نفس مَا كسبت وهم لا يظلمون). وَأكَّدَ فضيلته أن الطمأنينة والسكينة نعمة من الله ينزلها على عبده، فلا ينزعج لما يرد عليه من المصائب والمحن، وذلك إذا قَامَ فِي قلبه إيمان راسخ ويقين صادق، واستسلام لله وطاعة، فيزيده ذلك إيماناً وقوة وثباتاً، قَالَ ابن القيم رَحِمَهُ اللهُ (السكينة إذا نزلت على القلب اطمأن بها وسكنت إليها الجوارح وخشعت واكتسبت الوقار، وأنطقت اللسان بالصواب والحكمة، وحالت بينه وبين كل باطل). وأَوْضَحَ آل طالب، أن الطمأنينة التي يلقيها الله فِي قلب عبده تملأه إيماناً وثباتاً ويقيناً، وقناعة ورضا، وبصيرة وهدى، وتقوى وحسن سمت، ثم إخباتاً وخشوعاً، فلا يضطرب ولا ينحرف ولا يميل, وهي ضرورة لمن أدركه الضّجر من قوّة التّكاليف، وأعباء الأَمْر وأثقاله، ولا سيّما من أقيم مقام التّبليغ عن الله، ومجاهدة أعداء الله، وقطّاع الطّريق إليه، فإنّ مَا يحمله ويتحمّله فوق مَا يحمله النّاس ويتحمّلونه، فقد يدركه الضّجر ويضعف صبره، فإذا أراد الله إعانته ورحمته: أنزل عليه سكينته، فاطمأنّ إِلَى حكمه الدّينيّ وحكمه القدريّ، ويمضي فِي طريق الحق لا يضره من خذله ولا من خالفه إِلَى يوم الدين. وَتَابَعَ فضيلته أن المبتلى بمصائب الدنيا من الأمراض والفقر والبلايا والمحن، إذا أيقن بموعود الله وثوابه وصبر على بلائه، أورثه الله سكينة وطمأنينة، فكَأَنَّهُ بإيمانه ويقينه يشاهد الثواب فيسكن قلبه ويطمئن، ومن رضي فله الرضا، وإنّما يشتدّ به البلاء إذا غاب عنه ملاحظة الثّواب. وبين الشيخ صالح أن الرضا باب الله الأعظم، وجنة الدنيا، ومستراح العابدين، وألذ مَا فِي الحياة هو الإيمان بالله تَعَالَى، وَهُوَ الأساس فِي حلول الطمأنينة فِي القلب، والسكينة فِي النفس، ولكن المؤمنين تتفاوت درجة إيمانهم، وأرفعهم درجة من امتلأ قلبه رضا بربوبية الله تَعَالَى، وكان مع الله وبالله ولله فِي كل شأن من شؤونه، (فعلم مَا فِي قلوبهم فأنزل السكينة عليهم). وَأَشَارَ فضيلته إِلَى أن السكينة والطمأنينة عطاء من الله وهبة من عنده، لا يقدر أحد على منحها إلا الله (هو الذي أنزل السكينة فِي قلوب المؤمنين ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم ولله جنود السموات والأرض وكان الله عليماً حكيماً)، وهي فِي زمن اضطراب الأحوال وعصف الفتن أشد ضرورة، فتطلبوها بأسْبَابها عند الله العليم الحكيم القدير الوهاب.