عندما توكل الأمور إلى أهلها فحتماً ستكون النتيجة إيجابية، فما بالكم إذا اجتمعت الرغبة مع التخصص وحب التراث والطموح إلى تأصيل موروث الأجداد وربط الماضي بالحاضر والمستقبل. المهندس محمد بن غانم العابسي من كبار المهندسين الذين نفتخر بهم ويفتخر بهم الوطن، وهو من الشباب الذين خدموا وطنهم في المقام الأول، شاب طموح، ومهندس مبدع، وإداري ناجح، كيف لا وهو يتبوأ مدير التخطيط العمراني في أكبر أمانات وطننا الحبيب. ابتلينا في الآونة الأخيرة بالكثير من قاصري النظر الذين يرون بيوت الطين القديمة مجرد خرابات ومأوى للمجهولين وتاريخ يجب طمسه، كم من قصر وكم حصن وكم من "سقف" تم هدمه بأعذار واهية؟ بالأمس أخذت جولة في طريب فرأيت حصوناً تهدمت أجزائها وقد كانت حتى قبل سنتين شامخة تعانق السماء، شعرت بالألم وخيبة الأمل، خاصة أن أحفاد من سكنوها لديهم القدرة المالية وفي مناصب عليا بل من الأسر التي يشار لأسلافهم بالبنان والسؤدد. أسلافنا تركوا لنا إرثاً تاريخياً لابد من حفظه والعناية به، فن معماري محلي بالكامل، عراقة وحضارة سادت ثم أصبحت تراث يعتز به ويفتخر. ماقام به صاحب الفكرة والتنفيذ وما حضي به من تشجيع من كافة اسرته مدعاة للفخر والاقتداء، ومبادرة أعتبرها قبل أن تكون شخصية أو أسرية، فهي وطنية، ويكفي المرء أن يمر من ذاك الشارع ليقول: رحم الله من كان هنا، ومن بناه، ومن دخله ومن قام بترميمه وساعد على ذلك، فالرحمة للحي والميت على السواء. المحافظة على البيوت القديمة هي لمسة وفاء لمن كان فيها ومن قام بتشييدها، بل هي هوية مجتمعية لبقعة محددة من بلادنا الغالية، وستبقى شاهداً على مر العقود والحقب على هذا الإرث الجميل والتراث الخالد. تحية إجلال لهذا المهندس المُشَرِّف ولهذا القصر المُشْرِفْ ولهذه الاسرة المباركة، ورحم الله مؤسسة وصاحبه الشيخ عبدالله بن حضرم ورحم الله مصممه وبانيه الشيخ علي بن غثيث، ورحم الله كل من عمل في بنائه، ومن دخله. ورحم الله كل من كانت لهم ذكريات مؤلمة مع الغرفة الخارجية التي كانت يوم من الأيام تشكل كابوساً لمن استدعاه الخادم (الخوي) الذي اتخذ من هذا القصر مقراً لنقطة الأمن في طريب، وكان مشعابه الذي يرسله مع أحد الأخصام بمثابة ورقة استدعاء تجعل الخصم يحمل المشعاب ويهرول به إلى هذا الخادم الصارم الأسمر الضخم.