الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وبعد وعن عمر - رضي الله عنه -: "علِّموا أولادكم السباحة، ومُرُوهم يثبوا على الخيل وثبًا". ودعا الإسلام إلى تعليم الأولاد في تأكيد، فقال: ((طلب العلم فريضة على كل مسلم))، ولم يقصرهم على لون منه دون لون، إلا أنه يرى أن أولى العلوم بالتعليم هو العلم الديني؛ لأنه الوسيلة إلى السعادة في الدنيا والآخرة، وبتعاليم الدين تستقرُّ النفوس، وتطمئنُّ القلوب، وتسعى في شؤونها راضيةً، لا يبطرها نجاح، ولا يذلُّها فشل؛ لأنها تكل مصاير الأمور إلى الله، وجعل التعليم من حق الولد على والده، وكل من الذكر والأنثى يأخذ ما يلائمه ويعينه على رسالته ووظيفته، فللمرأة أن تأخذ منه ما يعدُّها أن تكون زوجًا صالحة، تُسرُّ زوجَها، وتحسن القيام على شؤون منزلها، وأمًّا صالحة تحسن تربية أطفالها، وتوجِّههم إلى حياة فاضلة سعيدة، وللرجل أن يأخذ منها ما يعده للرسالة التي يختارها لنفسه، ويعينه على تحصيل رزقه. وأرشد الإسلام إلى قواعد عامة في الفضائل وآداب الاجتماع، هي أسمى ما تصل إليه الآداب في أرقى المجتمعات، تتمثَّل في آيات القرآن الكريم، وعمل الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - وعمل أصحابه، ودعا الآباءَ إلى أن يأخذوا أبناءهم بها؛ لينشئوهم جيلاً صالحًا يتحلى بالآداب والفضائل؛ لتسعد بهم الأسرة، وتسعد بهم الأمة، وتكون كما أرادها الله خيرَ أمة أخرجت للناس؛ قال - تعالى -: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ * يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ * وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ﴾ [لقمان: 14 - 19]. وقال - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [النور: 58]. في هذه الآية يرشد الله الآباء إلى أن يعوِّدوا أطفالَهم الاستئذان للدخول عليهم في أوقات ثلاثة، هي مظانُّ الراحة، وعدم التقيد بلياقة في لبس أو جلوس، ومظان أن ترفع الكلفة فيها بين الرجل وأهله؛ حتى لا يطَّلع الطفل على ما لا ينبغي أن يطلع عليه في هذه الأوقات، وهي: قبل صلاة الفجر، وعند الراحة في الظهر، ومن بعد صلاة العشاء. وعن عمر بن أبي سلمة أنه كان غلامًا صغيرًا في حجر رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وكانت يده تطيش في الصحفة إذا أكل - أي: تتحرك في الطبق دون انتظام - فقال رسول الله: ((يا غلام، سمِّ الله، وكُلْ بيمينك، وكل مما يليك))[2]، إلى آداب كثيرة استفاضت بها السنة، وثبتت بالنقل الصحيح عن الصحابة. وأرشد الإسلام إلى التلطُّف بالأبناء في التربية والتوجيه؛ حتى لا ينفروا منها، ولا يتبرموا بها، ولتنغرس في نفوسهم في فيض من العطف الأبوي الخالص، وعن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: أنه كان إذا رأى فاطمةَ - رضي الله عنها - مقبلةً قام لها عن مجلسه، وأخذ يدها فقبَّلها، وقد جاءه أعرابي فقال: أتقبِّلون الصبيان، فما نقبِّلهم؟ فقال له: ((أَوَأملك أنْ نزع الله من قلبك الرحمةَ؟))[3]. وعن أم خالد بنت خالد بن سعيد - رضي الله عنهما - قالت: "أتيت رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - مع أبي، وعليَّ قميص أخضر، فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((سنه سنه))، وهي بالحبشية: حسنة، قالت: فذهبت ألعب بخاتم النبوة، فزجرني أبي، فقال رسول الله: ((دعها))، ثم قال: ((أبلي وأخلقي، ثم أبلي وأخلقي)). وندب الإسلام إلى وجوب العدل بين الأولاد في العطاء، حتى يَنشؤوا متحابِّين متعاونين، وأنكر أن يميز بين البنين والبنات؛ حتى لا يحملهم التمايز على عقوق الآباء وجفوتهم. وينبغي أن يأكل الوالد مع أولاده؛ تأنيسًا لهم، وقيامًا على توجيههم ورعايتهم؛ فعن سفيان - رضي الله عنه -: بلغنا أن الله وملائكته يصلُّون على أهل بيت يأكلون جماعة. بهذه التعاليم يدعو الإسلام الآباء أن يأخذوا أبناءهم ليسعدوا وتسعد بهم الأمة، وهذه السعادة غاية ما يهدف إليه الإسلام. للحديث بقية نحو مشاكل التربية المعاصرة كتبه / حمود سعيد الحارثي الكاتب في الشؤون الإسلامية والقانونية والإجتماعية واتس أب 0504743110