بقلم: عبدالله غانم القحطاني لا يوجد مؤشر إيجابيّ يؤمل بأن اليمنَ سيستقرُّ في المنظُور القريب حتّى بعد نهاية انقلاب الحوثيّ وقبوله مشاركًا بمنظومة الحكم كجماعة طائفيَّة إقصائيَّة تمثل ثورة الخميني باليمن!. وليسَ في الأفق ما يسمح بالتفاؤل الحقيقي، لأسباب يمنيّة داخليّة وأخرىٰ دوليّة تسعىٰ لبقاء نيران الخراب العربيّ مشتعلة على حدود السُّعودية من الجنوب والشَّمال، وبالقرب من حدود مصر من الغرب ومن الجنوب "سد النّهضة"!. والعامل الدّاخلي باليمن هو المشكلة الكأداء الدائمةَّ وشبه المستعصية لأيِّ حلٍّ عبر التّاريخ الحديث، والدّليل الماثل أمامنا هو فشل الحُكومة اليمنيّة الشّرعية سياسيًا علىٰ المُستوىٰ المحلِّيّ والإقليميّ والدُّوليِّ وفشل جيشها ميدانيًا الّذي بُنِيَ لها مجّانًا لمواجهةِ الانقلابيّ الحوثيّ، وتخاذله حتّىٰ في إنقاذِ أبناء وطنهِ من المقاومينَ السَّلفيّين الشَّماليّين لمجرّدِ أنهم فقط لا يتبنون فِكر الإخوان المخرّبين ولأنهم المقاتلينَ الأشدّ ضراوة مع غيرهم في وجهِ الحوثيّ!. هل هذا يدل على مستقبلٍ جيِّدٍ؟. هذا الفشل الشَّامل مهد له بخبثٍ تيارُ الإخوان العالميّ ونفَّذهُ بنسبةٍ كبيرةٍ إخوان اليمن ومعهم جملة من الفاسدينَ والمنتفِعِينَ وبعضٌ من أيتامِ حزب المؤتمر الخالدينَ للدّعة والرُّفاهيَّة والظهور في القنواتِ الإعلاميَّة بوجوهٍ لامعةٍ. وهل يلزم التَّذكير بأنَّ إيران وتركيا واليسار العربيّ والدُّوليّ يساندونَ هذا الفشل ويضعون العراقيلَ في وجهِ إنهاءِ انقلاب الحوثيّ عسكريًا أو سياسيًا؟. وبالطبع هناك كارثة اختيار اللِّواء علي محسن كنائبٍ للرئيسِ هادي، بينما هو أحد الأفاعي الّتي أيّدت انقلاب الحوثيّ سرًا وعلانيّةً، وله الدَّور الخفيّ الأخبَث بعدَ الزَّعيم الرَّاحل ضمن لُعبة الدِّراما السِّياسيَّة اليمنيّة بالتّذاكي والكَذب والمكايدة الَّتي مكّنت الحوثيّ من صنعاءَ بالتَّنسيقِ معهُ مباشرةً دونَ قتالٍ ليتسلمَ العاصمةَ وقيادة الجيشِ ومفاتيح البنك المركزيَ وملفات المخابرات. وقد قِيلَ حينها أنَّ الفِرقة الأولىٰ تمَّ تدميرها بالكامل!، لكن لم يُقال كيف ولماذا ومن الذي دمَّرها وماذا كان دور قائدها؟!. والبعض يعتقدُ أنَّ التَّحالف لم يضغط مبكرًا بما يكفي علىٰ قادة الميدان بجيشِ الشَّرعية وقادتهم السِّياسيِّين لتنفيذِ عملياتٍ عسكرية سريعة ومتواصلة ومُنسَّقة ضِد الحوثيّ. إضافة إلىٰ عدمِ إبعادِ الخَونة من الجيشِ والحُكومةِ الَّذينَ ساعدُوا الحوثيّ وتخابروا معهُ ممَّا أدىٰ إلىٰ تمكينِه من الهيمنةِ علىٰ الشَّمال بالقوة، بينَما الجيش يتفرَّج والإخوان من عمق الشَّرعية يهدِّدونَ الجميع عدا الحوثيّ!. وهنا يجِبُ التَّنويه إلىٰ أنَّ الحُكومة الشَّرعية هِي الجزء الأهم في التَّحالف. وهناك من يقول أنّه لم يُوَجّه أي ضَّغط مباشر علىٰ فخامة الرَّئيس هادي لتصحيحِ مسار نائبه الأخ: علي مُحسن الَّذي شوَّه التّّحالف بتخاذُلهِ وبأُسلوبهِ (المُتمَسكِن) وإظهاره عدم المَقدِرة أمام الحُوثيّ!. وكثير يؤمنون بأنَّ موقف النَّائب مُحسن يصبُّ في مصلحةِ الحوثيِّ والإخوان، وحقيقة أن تاريخ الرَّجل يؤكدُ ذلكَ إلىٰ حدٍّ ما، فالجنرال مُحسن السِّياسيّ والقبليّ والمذهبيّ هو إلىٰ الإخوان وحلفائهم أقرب ضدّ البقيّة!. ونأملُ أن لا نرىٰ منهُ المزِيد في هذا الاتّجاه إن طالَ به العهد في مِضمارِ مُنافساتٍ قياديَّة قادِمة خاصَّة ضدّ الجنرال طارِق عفاش. هذه العوامل السَّابقة مُجتمِعة معَ غيرِها من المواقفَ الدُّوليَّة والإقليميّة جعلتْ منَ الحلّ السّياسيّ المنطِقيّ والعادل غير متاح قريبًا في اليمن بناءً علىٰ هذه المُعطيات السَّيئة القائِمة علىٰ الأرض إداريًّا وعسكريًّا وسياسيًّا وخلف الأدوار التخريبية لإيران والإخوان والولايات المتَّحدة وبريطانيا. وأغلب هذه العوامل والتخريب لم تأتِ من فراغٍ، فالهدف النهائي لها في البُعد الإستراتيجيّ هو عدم استقرار اليمن والسُّعوديَّة ودول مجلس التَّعاون الخليجيّ. لكن هل هذا الحال باليمن سيبقىٰ كما هو دون تحولات دراماتيكيّة؟، بالطّبعِ لا، بل إنّه سيُفرِزُ قريبًا اِلْتِحام لإخوان عُموم اليمن شَمالًا وجنوبًا مع جماعة الحوثيّ بصنعاءَ بدعمٍ إيرانيّ قوي وبتماهٍ أمميّ، مع موقف رماديّ في ثلاثِ عواصمٍ خليجيّة. هذا التَّحالف القادم سيقاتل عسكريًّا ضدّ المناطق الجنوبيَّة وألويتها العسكريّة وضدّ قوات الجنرال طارق عفاش إذا ما بقيَ على موقفهِ الوطنيّ لمصلحة اليمن. وسيكونُ ضِمن أولويات هذا التَّحالف تخريب أمن عدن ومُحاولة تمكِين تنظيميّ داعِش والقاعدة منها لتنفيذِ عملياتٍ دموية رَهيبة وتمكِين التَّنظيمينَ من السَّيطرةِ على أهمِّ المحافظات الجنوبيّة، والهدف الأبعد هو تهديدُ السُّعودية، بمُساندة أعلاميَّة تركيَّة وإخوانيَّة وغربيٌّة. إنَّ منْ يقرأ المنطقة جيِّدًا وخاصَّة اليمنَ وبيئتهِ المَحلّيَّة المُعقَّدة وتأثرها الكبير بالبيئةِ الإقليميَّة والدُّوليَّة فسيرىٰ أمامهُ مقدماتٍ لصراعٍ خطِير قادم داخل الجمهوريّة اليمنيّة الحاليّة "جمهوريّة الرّاحل علي عبداللّه صالح"، عمق هذا الصراع قيام الدّولة الجنوبيّة الّتي تتشكَّل ملامحها، أي أنّنا سنرىٰ صراع دمويّ بينَ جيش العاصمة صنعاء وجيش العاصمة عدن. وبمعنى أوْضَح هناكَ مؤشِّرات لحربٍ عسكريّة تقليديَّة بين جيشينِ، وحرب عصابات بين طرفينِ ِمتعاكسينِ سياسيًّا وفكريًّا وانتماءً!. هذا الصٍّراع القادم سيكون وصنعاء يحكمها حٍينئذٍ حليفينِ منسجمينِ وهما تنظيم الحوثيّ الصَّفويّ وحزبُ الإصلاح الإخوانيّ ويتبعهما هشيم المُؤتمر وأغلب القبائِل الشَّماليَّة. وقد يُشكٍّلونَ تنظٍيم سياسيّ هجين جديد، يُعلن أنَّ سياسته تقبلُ بالجميعِ في الوطن علىٰ مبدإ الحوارِ والعلاقات الدّوليّة الطّيٍّبة معَ الجوارِ وبالأخصِّ مع السُّعوديَّة، لكن هذا مجرّد تقيّة سياسيّة وتكرار للدّراما السّابقة ولَعب علىٰ المتناقِضاتِ ومراقصة للثَّعابين المحلِّيَّة كما ربّاهم وعلّمهم الزَّعيم "رحِمهُ الله". هذا الحِلف الثُّنائيّ القادم بصنعاء (الحوثيّ – الإخوانيّ) يجمعه منهجيَّة العمل السِّياسيّ والاجتماعيّ المنظّم والمنسّق وهو نهج ثوريّ إيرانيّ – إخوانيّ معروف، حيث يوحدهما تطابق المَبدأ السّياسيّ والمنهج الفكريّ المعادي بالمطلق للسُّعوديَّة وحلفائِها بالمنطقة. وهذا الحلف سيكون مسنودًا مباشرةً من الحرسِ الإيرانيّ وميليشاته كمنظمةِ حماس الإخوانيَّة وحزب اللّه الإيرانيّ اللُّبنانيّ ومجاميع الحشود الطّائفيَّة بالعراق. وهناك ثلاث حكومات بدول مجلس التَّعاون الخليجيّ ستكون مواقفها ما بينَ مرحبٍ بدون إعلان وآخر راضٍ بصمت، وثالث مُحرج بسبب مماحكات سياسيّة حزبيّة داخلية لديه!. لقد تمكّنت عاصفة الحزم بتحالفها العربيّ لدعم الشّرعيّة من إفشال مشروع إيران الكبير السّاعي إلىٰ احتلال اليمن شماله وجنوبه، ومن ثم التَّمدُّد في كلِّ الاتِّجاهات. وتمكّن التَّحالف من منع تمركُز ألوِية وكتائب الحرس الثَّوريّ الإيرانيّ وفيلق القدس الإرهابيّ علىٰ عموم الخارطة اليمنية ومَضْيَق باب المندب وحدود المملكة العربيَّة السُّعوديَّة البريّة والبحريَّة الجنوبيَّة والغربيَّة. كما حرَّر التَّحالف كامل تراب الجنوب مع أبنائِهِ الجنوبيينَ وشرفاء اليمن عمومًا. وحافظ التَّحالف ببراعة علىٰ حياة وشرعيَّة الرّئيس هادي لضمان مشروعيّة العمل السِّياسيّ والعسكريّ والإغاثيّ والأمنيّ باليمن واستصدار القرارات والمواقف الأمميَّة. ووضَعَ التَّحالف إيران في مأزِقٍ أمامَ نفسها وأمامَ المُجتمع الدوليّ، وكلفها الكثير الذي لم تتوقعه. ومع ذلك سيبقىٰ اليمن بالنّسبة للثّورة الإيرانيّة يشكل الهدف الأهم ضمن سياسة التَّوسُّع في المنطقة العربيّة. إنَّ الوضع في اليمن "اليمن القادم" بعد وقف النار وإنهاء عمليات التَّحالف والقوات المشتركة لن يكونَ أسهل من مرحلة ما قبل انقلاب الحوثيّ ولا من مرحلة الانقلاب القائمة حاليًا الّتي غابَ عرابهما علي عبد اللَّه صالح. وثورة إيران ستبقىٰ هي المؤثر السَّلبيٰ الأكبر والأخطر على مجريات الحياة باليمن!. وليسَ هناكَ إرادة دوليّة أمميّة لكسر إرهاب ثورة إيران أو إقناعها بالتَّراجع عن سياساتها التَّوسعية الإقليمية. وقطعًا أميركا لن تواجهَ إيران بالقوة ليس خوفًا منها، ولكن رغبة في بقائها كمصدرِ تهديدٍ وتخريبٍ للمنطقةِ العربيّة وخاصّة السُّعوديَّة!. لقد وضعَتْ ثورةُ الخميني مخالبها في صَعدة وصنعاء مُنذ عام 1981م بعلم الرَّئيس علي عبد الله صالح، وحليفه الشَّيخ عبد الله بن حسين الأحمر ومثقفي حزب المؤتمر المؤثرينَ سابقًا ومنهم الدكتور عبد الكريم الإرياني "رحمهم الله جميعًا" وخلفهم كان يقف الكثير من مثقفي الزَّيدية السِّياسيينَ والقبليينَ الَّذينَ اعتقدوا أنَّ مصالحهم الحزبيَّة وفسادهم تتطلب معادلة الدَّور والتَّأثير السُّعُوديّ بطرفٍ ثالثٍ يُعادي الرِّياض ويُعادي المكوِّن الإسلاميّ الوسطيّ بكلِّ أطيافهِ باليمن بما فيه المذهب الزَّيديّ المعتدل المُتسامِح في اليمن!. هكذا كانت عبقرية الحَمقىٰ. نعم، في اليمن سيبقىٰ تأثير إيران طويلًا من خلالِ عملائِها وجواسيسِها من الحوثيّين والفاسدينَ واليساريّين وحلفائها الإخوان، طمعًا في بقاءِ مشروعها الكبير والخطير ضمن استراتيجيّة التّغيير التّدريجيّ المُمنهج للحياة هناك والَّتي يتمُّ تنفيذها حاليًا بشراسةٍ وسرعة. وهذه الاستراتيجيّة الخطيرة تستهدف تغيّير التّراكيب السُّكانيَّة باليمن وتغيير المعتقد الإسلاميّ والثَّقافة والرُّوح الوطنيَّة العربيَّة إلى الولائيَّة الخمينيّة المجوسيَّة الإثني عشريّة المتطرِّفة وتغيِّير مجرىٰ تاريخ اليمن القادم. لقد تمكّنتْ ثورة الخميني الكهنوتيَّة بالفعل من التَّغيير في المعتقد الإسلاميّ المتعايش مع بعضه في اليمن، كما تمكَّنت من أدلجة حتّىٰ بعض عواجيز السِّياسة المُؤتمريّة وإن أظهرُوا العكس، وستُبدي الأيام كلَّ ما خَفِيَ. كما غيرتِ الثَّورة الخمينيَّة في أساسيات ومبادٍئ الدين الإسلامي الوسطيَّ المعروف في شمالي اليمن، وتمكّنت من تعبئة الشَّباب الجاهل بالكراهيَّة ضدّ الدُّول العربيَّة وخاصًّة السُّعوديَّة!. ولأن ثورة إيران طاعون خبيث يقضٍي على سيادة وحرّية وكرامة ووطنية أيّ دولة عربيَّة بمجرَّد أن تحتلَ عُقُول جزء من شعبِها، فإِن مستقبل صنعاء مهما كانت أسماء رؤساءها القادمينَ وشكل حُكوماتها سيظلُّ تحت تأثير ثورة الخميني ومرشدها وبمساعدة مرشد الإخوان!. كلّ ما سبقَ ليسَ توقعًا أو بالتَّخمينٍ وإنَّما هو الواقع الَّذي يجرِي تحتَ الأرض وفوقها يوميًا في صنعاء. لقد نجحتْ إيران في احتلالِ سوريا وتغيّير الدّيموغرافيا وستبقىٰ هناكَ ما بقيتْ ثورة الخميني وملاليّيها. وفي لبنان ستبقىٰ بلا مُنازع مستغلة حُكم الهمج ونرجسيّة زعماء الطّوائف المتخلِّفة هناك. وفي العراقِ ستَبقىٰ هي اللّاعب الأبرز المهيمنُ ولن تخرجَ إلاّ بعدَ الانقلاب العسكريّ الرَّهيب القادم في بغداد الَّذي قد يتأخرُ لعقدٍ أو لعقدينِ من الزَّمن، ومن يفهمْ الشَّخصيّة الوطنيّة العراقيّة يُدركُ ذلك جيّدًا. وفي اليمن قد تحدثُ معجزة تُلغي كلّ ما ذكرته سابقًا. وحينها سأكونُ أوّل الفرحينَ والمعترفينَ بأنّني أخطأتُ في التّقديرِ وليسَ عيبًا. أخيرًا، فإِن البعضَ يعتقدُ أنَّ أيّ مواطن سعوديّ يطرحُ رأيه أو حتّىٰ تجربته فهو يمرِّر رسائل حكومية أو يعبِّرُ عن سياسة دولته!، وهذا جهل يوازي جهلهم بأنَّ المملكة العربيَّة السُّعوديَّة ذات مسؤوليات تتعدىٰ الإقليميَّة إلىٰ الدُّوليَّة ومواقفها معلنة ولا تحتاجُ لرأي من أحدٍ.