«أقدم خالص شكري لصاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية، على حسن ظنه وترشيحه لشخصي نائبا لوزير الخارجية، والذي جاء متوجا بالثقة الكريمة لسيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز».. بهذه الكلمات البسيطة واللماحة والمعمقة، اختصر صاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن عبدالله هندسة العلاقة بينه كنائب وزير الخارجية، والملك الذي وضع ثقته فيه، ووزير الخارجية الذي رشحه في منصبه الجديد. ومن يقرأ هذه الكلمات يلاحظ أنها انعكاس واضح لحجم الثقة التي يوليها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، ووزير الخارجية الأمير سعود الفيصل، للأمير عبد العزيز بن عبدالله، القادم باقتدار وحكمة إلى معترك الدبلومسية العالمية. يعتبر الحديث الأول لأي سياسي يتولى منصبا جديدا، بمثابة خريطة طريق يعكس من خلالها ثوابت سياسة بلاده ومنهج عمله، وطريقة أدائه في منصبه الجديد، كما أن الإسراع في رسم هذه الخارطة دليل على الحيوية والديناميكية وحجم المهمات المقبلة في محيط متقلب، وهذا ما بدا واضحا في كلمة صاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن عبدالله بن عبدالعزيز الثرية، لدى استقباله بعض الشخصيات الدبلوماسية أخيرا بمناسبة صدور الأمر الملكي بتعيينه نائبا لوزير الخارجية. حظي الأمير عبدالعزيز، باختيار مثالي مزدوج لهذا المنصب الرفيع، ففي الوقت الذي حظي به الأمير بالثقة الملكية من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز، لينتقل من مستشار للملك إلى نائب لوزير الخارجية، جاءت الثقة الثانية وحسن الظن والترشيح كذلك من صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل رئيس الدبوماسية السعودية له. إن حجم الثقة التي أولاها الملك عبدالله، ووزير الخارجية، للأمير عبد العزيز، تبين «الأهلية والكفاءة» اللتين تراهما القيادة الحكيمة، في شخص الأمير عبد العزيز لمنصب نائب وزير الخارجية، فهذا المنصب لدولة عريقة ومترامية الأطراف جغرافيا وسياسيا، وتحظى باحترام وتقدير في المحافل العالمية، يعتبر مسؤولية كبيرة تعرف القيادة أين تضعها، ومن يقوى على حملها، بل وقادر على ترجمتها على المستوى الخارجي وفي المحافل العالمية. وبالعودة إلى خارطة عمل الثوابت السياسية للمملكة، التي حددها الأمير عبد العزيز في كلمته الأولى بعد تعيينه، ثمة نقاط جوهرية وعميقة المعاني نتوقف عند أبعادها، إذ تدلل المعاني والأفكار التي توجه بها إلى رؤساء البعثات الدبلوماسية في المملكة على إدراك الأمير عبد العزيز لوزن المملكة العربية السعودية السياسي، والاقتصادي والديني، فهو انطلق من الرؤية التاريخية للعلاقة بين المملكة والدول الأخرى، مستندا إلى العمق التاريخي لهذا البلد ذي الموقع الاستراتيجي السياسي والاقتصادي والاسلامي، فالاسترجاع التاريخي للعلاقات الدولية التي رسختها المملكة، ما هو إلا خطاب ثوابت وقيم تتمتع به الدبوماسية السعودية. ليس هذا فحسب، بل أكد الأمير عبد العزيز كذلك على المبدأ التاريخي للمملكة القائم على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، أو التعرض لسيادتها، والعكس صحيح، متابعا في الوقت ذاته القول بأن المملكة تقوم على مبدأ ترسيخ العلاقات التاريخية مع الدول الشقيقة والصديقة وفق تبادل المنافع والمصالح المشتركة. تحدث الأمير عبد العزيز بإيجاز بليغ، ولغة دبلوماسية متقنة وحصيفة، فضلا عن المنطق الحيوي الذي يؤمن بالتنوع واحترام الآخر، اختار كلمات ثابتة، محددة، ترمي إلى توضيح الفلسفة التي سينطلق منها، ولعل حديثه عن رحابة الصدر، يعكس حقيقة التفكير الدبلوماسي العفوي و «السلوكي الهادئ» أكثر من الدبلوماسية كمهنة ومسؤولية، حين قال: «إن رحابة صدري تتسع لكل رأي فلا خير فيمن يعتد برأيه ويهمش الآخر». وهذا يعكس حرص الأمير عبدالعزيز على الانفتاح واحترام الرأي الآخر واستعداده للاستماع إلى مختلف الأفكار والرؤى مادامت لمصلحة الوطن . ومع هكذا شخصية، دبلوماسية كاريزمية، واسعة الأفق وهادئة، تمتلك لغة سياسية عصرية، ورفيعة، نهلت من منابع بيت الحكمة السياسية من خادم الحرمين الشريفين، فإن الوجه الناصع والجميل للمملكة، سيكون أكثر جمالا وإقبالا ووضوحا وشفافية، في عالم «معولم» متعدد الأفكار والمعتقدات أشبه بقرية كونية صغيرة. هكذا عودتنا السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية في اختيار عناصرها المؤهلة علميا وعمليا، كما أن الرؤية العالمية للملك عبدالله بن عبد العزيز وخبرة الأمير سعود الفيصل السياسية الثرية، ستكونان رافدين حيويين في الحراك الدبلوماسي القادم، للأمير عبد العزيز بن عبدالله في المحافل الإقليمية والعربية والدولية، وإضافة نوعية في الدبوماسية السعودية.