نعم.. لا تستغربوا من العنوان أعلاه، فعندما يكون التعصب الرياضي عائماً دون تحديد واضح ودقيق لمصطلحه وأبعاده وآثاره السلبية وما يصلح للنشر وما لا يصلح فثقوا بأن سيله الجارف لن يبلغ الزُّبى فحسب، بل سيتجاوزه إلى ما هو أعلى وأعنف، فالمتعصب وصاحب الميول "خلا" له الجو، وأفردت من أجله المساحات والبرامج، ومن الطبيعي أن يجاهر بميوله ويغرِّد بتعصبه عياناً بياناً دون حسيب أو رقيب، بعد أن كانت ميوله تظهر على استحياء، وفي زوايا محدودة وصيد خفي لا يُرى إلا بعين فاحصة تقرأ وتشاهد بتأمل. مع هذا المد الإعلامي المتلوِّن المؤلم بدأت أشعر بأننا أمام تسابق محموم يفتح الباب على مصراعيه لمؤسسات إعلامية تتهافت على تقديم إنتاجها الممجوج لتحظى بشرف الراعي الرسمي والحصري للتعصب الرياضي، مستغلة غياب المحاسبة، وضبابية مصطلح التعصب، وبداعي التسويق وما يطلبه المشاهدون إلى أن بلغنا مبلغا مؤسفاً لا يمكن السكوت عليه أو التغاضي عنه. المشكلة أن هذا الملف المؤرق بدأ يتشعب إلى قضايا كل واحدة أشد تعقيداً من الأخرى، فخطر التعصب - برأيي- لم يعد مقتصراً على قطع جذور الرأي والرأي الآخر أو زيادة احتقان الجماهير وتعميق الفجوة بينها وبين وسائل الإعلام أو نشوء أساليب المقاطعة أو بث الكراهية في الشارع الرياضي، بل بات يتجاوز كل ذلك إلى أمور من شأنها أن تجعل مصير معالجة الملف معلقاً بين جهات عدة بعد أن كان الحل بيد جهة واحدة كان بإمكانها وأد بعض الممارسات المثيرة للتعصب في مهدها. هذا التشعب المربك بدأ ينفث سمومه في مجالات إعلامية متنوعة ما بين صحف ورقية و(صحافة إلكترونية تتباهى بأنها مرخصة من وزارة الثقافة والإعلام) وقنوات فضائية وتغريدات تعصبية لم نعد نفرق فيها بين صحافي وكاتب ورئيس قسم ومشجع، مما أفرز لنا واقعاً لا يليق بأخلاقيات المهنة.. وقبل أن تقترن الميول بالفساد بشكل كبير، ويلتقي التعصب مع العنف - لا سمح الله - فإننا يجب أن ندرس الموضوع، ونتعامل معه بجدية، وهذا ما استشعرته بعض الاتحادات الرياضية والقنوات الفضائية التي نظمت الأيام الماضية ملتقيات وبرامج لمناقشة هذه العناوين الخطيرة والمقلقة التي تتجاوز الخطوط الحمراء، وتسبح في وحل الميول الإقصائي. لم نعدم عقلاء الرياضة وما زلنا نفتخر بإعلاميين وصحافة على أعلى درجات المهنية والاستقلالية والكفاءة والنزاهة، كما أن الميول ليست عيباً ما دامت لم تتحكم في مصداقية الخبر واتزان الطرح، لكننا أمام تحدٍّ حقيقي، فالإعلام الواثق يستطيع أن يسوِّق لنفسه بإعطاء كل ذي حق حقه، وتقديم الرصين والرزين الذي يستحق أن يملأ الأعمدة ويشغل الكتاب والبرامج والمشاهدين ومعاشر المغردين. أما الدور المهم فيقع على عاتق وزارة الثقافة والإعلام التي تستشرف مرحلة جديدة يطالب فيها مجلس الشورى بتسهيل الإجراءات أمام المستثمرين لفتح صحف جديدة، علاوة على مسؤولياتها الحالية، فأمامها مسؤولية التعامل مع أي نشاز يمكن أن يلعب على وتر المزاجية والتعصب المذموم، أو يصل إلى ما هو أبعد من ذلك مع الأسف، كما هو الحال في بعض المؤسسات الإعلامية المرخصة التي تنغمس في حمى الألوان والتعصب فلا تجد بُدّاً من ممارسة هوايتها المفضلة حتى لو كان ذلك على حساب التعبير عن رأيها الذي يجب أن يكون على الحياد دائماً!