اتسمت العلاقات بين المملكة العربية السعودية وجمهورية قبرص بالتنامي المطرد في مختلف أوجه التعاون بينهما، وشهدت تطورًا ملحوظًا جعلها تسير في تناسب طردي منذ قيام العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين في عام 1961م، في الوقت الذي يتطلع فيه البلدان إلى الدفع بهذه العلاقة نحو آفاق أوسع خدمةً لمصالحهما المشتركة بما يعود بالنفع على البلدين والشعبين الصديقين. وترتبط المملكة وجمهورية قبرص بعلاقات وثيقة مبنية على أسس راسخة من الاحترام، وتسير بوتيرة متسارعة ومتطورة دعمتها الشراكة الدولية التي جمعتهما، فالدولتان عضوان في منظمة الأممالمتحدة. ووصل التفاهم المشترك بين المملكة وجمهورية قبرص وتطور إلى مراحل متقدمة تخللها إنجازات متنوعة حيث لا تقتصر العلاقة على الجانب السياسي فحسب بل تمتد لتشمل التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري والدفاعي والثقافي والسياحي وغيرها من الجوانب. ووطدت الزيارات المتبادلة العلاقات الثنائية بين البلدين، وتجدّد عهدها في شهر يناير من عام 2018م بأول زيارة لرئيس جمهورية قبرص إلى المملكة، حيث عقد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - وفخامة الرئيس نيكوس أناستاسيادس رئيس جمهورية قبرص جلسة مباحثات رسمية، وتُوجت الزيارة بتوقيع اتفاقية لتجنب الازدواج الضريبي في شأن الضرائب على الدخل ومنع التهرب الضريبي، وتوقيع برنامج تنفيذي بين الهيئة العامة للطيران المدني في المملكة ووزارة النقل بجمهورية قبرص، وتوقيع مذكرة تفاهم في شأن المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية القبرصية. وتشهد العلاقات السعودية القبرصية تطورًا ونموًا وتعاونًا في مختلف المجالات، حيث شهدت تبادلًا للزيارات رفيعة المستوى للمسؤولين من الجانبين، كانت ذات أثر إيجابي في دفع العلاقات إلى المزيد من التعاون المشترك، وكان آخرها زيارة صاحب السمو الأمير فيصل بن فرحان بن عبدالله وزير الخارجية، لجمهورية قبرص في مطلع العام الحالي 2022م، حيث استعرض سموه مع فخامة الرئيس القبرصي، أوجه التعاون بين المملكة وقبرص، وسبل تعزيزها وتنميتها في المجالات كافة، إضافة إلى مناقشة فرص نقل العلاقات المشتركة إلى آفاقٍ أرحب في ضوء رؤية السعودية 2030،بما يحقق مزيدًا من الازدهار والرفاهية للبلدين والشعبين الصديقين. من جانب آخر، تناولت جلسة المباحثات السعودية - القبرصية على مستوى وزيري خارجية البلدين، سبل تعزيز وتطوير التعاون الثنائي بجميع المجالات، وأهمية دعم الاستثمارات البينية، إضافة إلى استعراض دور المملكة في الحفاظ على البيئة من خلال مبادرتي السعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر. وتواصل تعزيز العلاقات السعودية - القبرصية ليشمل العلاقات العسكرية والدفاعية، ففي مطلع العام الحالي 2022م استعرض رئيس هيئة الأركان العامة الفريق الأول الركن فياض بن حامد الرويلي خلال زيارته قبرص مع معالي رئيس أركان الحرس الوطني والقوات المسلحة القبرصية الفريق ديموكريتوس زيرفاكيس، مجالات التعاون العسكري بين جمهورية قبرص والمملكة، وأكد معالي الفريق الرويلي، أهمية العلاقات العسكرية بين البلدين الصديقين والتعاون العسكري، والدفاعي المشترك. وفي مجال التعاون البرلماني، أكدت لجنة الصداقة البرلمانية السعودية القبرصية بمجلس الشورى خلال اجتماع لها، أهمية تفعيل دور لجنتي الصداقة البرلمانية في البلدين بما يُسهم في دعم أوجه التعاون وتعزيز العمل المشترك بين مجلس الشورى ومجلس النواب القبرصي 2021م. وفي الجانب الاستثماري نظمت وزارة الاستثمار ومجلس الأعمال السعودي القبرصي ندوة افتراضية بعنوان "إتاحة فرص الأعمال والاستثمار في المملكة"، تطرق المشاركون فيها إلى التعريف بجاذبية البيئة الاستثمارية في المملكة، وكيفية بدء رحلة الاستثمار، وسهولة ممارسة الأعمال في مختلف القطاعات الواعدة في المملكة، حيث بلغ عدد الشركات القبرصية المستثمرة في المملكة حتى عام 2020م (53) شركة بإجمالي رؤوس أموال بلغت 821.5 مليون ريال، توزعت في قطاعات: التشييد، والتعدين والمحاجر، وصحة الإنسان، والمالية والتأمين، والمعلومات والاتصالات، والصناعة التحويلية، والأنشطة العقارية، والزراعة وصيد الأسماك، والمهنية والعلمية والتقنية، والنقل والتخزين، والخدمات الإدارية، وإمدادات المياه والصرف، وتجارة الجملة والتجزئة، والخدمات الأخرى. وتعد اتفاقية تجنب الازدواج الضريبي دعوة رجال الأعمال في المملكة وقبرص للاستفادة مما توفره الاتفاقية الموقعة بين البلدين التي دخلت حيز التنفيذ خلال العام 2019م، من ميزات ضريبية، حيث تمثل هذه الاتفاقية إطارًا قانونيًا مستقرًا يحدد العلاقات الضريبية بين البلدين، وتحدد بشكل واضح المعاملة الضريبية التي يخضع لها المستثمر من إحدى الدولتين عند ممارسته النشاط في الدولة المتعاقدة الأخرى. كما تمنع الاتفاقية الازدواج الضريبي على الدخل المتحقق من النشاط الاستثماري، ومن ثم فإن هذه الاتفاقية تقلل العبء الضريبي على المستثمرين، وتحقق لهم الشفافية في المعاملة الضريبية لإقامة المزيد من المشاريع التجارية والاستثمارية المشتركة، إضافة إلى تشجيع حركة التجارة والاستثمار، والتعرف على الفرص الاستثمارية والصناعات والسلع. وتتمتع المملكة وجمهورية قبرص بعلاقات اقتصادية وتجارية، جعلت قبرص تحتل المرتبة ال96 ضمن الشركاء التجاريين الرئيسيين للمملكة لعام 2019م، وبلغت صادرات المملكة إلى جمهورية قبرص 29 مليون ريال سعودي في عام 2020م، وأهم السلع الوطنية المصدرة لجمهورية قبرص: اللدائن ومصنوعاتها، والورق والورق المقوى، والمصنوعات الحجرية والإسمنتية، والحديد والصلب، ومصنوعات الحديد والصلب، فيما بلغت قيمة واردات المملكة من قبرص 111 مليون ريال سعودي في عام 2020م، ومن أهم السلع المستوردة منها: الألبان والبيض والمنتجات الحيوانية المأكولة، ، والسمك والقشريات، ومنتجات الصيدلة، والآلات والأدوات الآلية وأجزاؤها، والأجهزة والمعدات الكهربائية. كما برزت مجالات التعاون المشتركة في مجالات صناعية عدة، منها الصناعات الغذائية والصناعات المعدنية، وأسهم الصندوق الصناعي في دعم وتمويل المشروعات المشتركة مع جمهورية قبرص، التي يبلغ عددها 3 مشروعات بقيمة تمويل تتجاوز 148 مليون ريال. وتعد البتروكيماويات أهم صادرات المملكة إلى جمهورية قبرص حيث بلغت قيمتها 16.4 مليون ريال في عام 2020م، كما وصلت قيمة الواردات السعودية من قبرص في عام 2020م إلى 73.6 مليون ريال. وتولي المملكة وجمهورية قبرص اهتمامًا بقطاع الطاقة، وبينهما تعاون ثنائي قائم، ولديهما فرص تعاون مستقبلية في مجالات البترول، والتغيُّر المناخي، والاقتصاد الدائري للكربون، والطاقة المتجددة، وكفاءة الطاقة، والتوطين وتطوير المحتوى المحلي، وغيرها من المجالات.