أكدت الاكتشافات النقشية الأخيرة في جنوب الجزيرة العربية ووسطها، تمركز القبائل العربية في أراضي الجزيرة العربية وبناء الممالك علاقات دبلوماسية وتجارية مع شمال الجزيرة العربية وبلاد الشام ومصر ودول حوض البحر الأبيض المتوسط، ومدى ما تقدمه المكتشفات الأثرية من إسهامات عند العثور عليها في مكانها وعدم تحريكها. واستعرض الباحث بجامعة الملك سعود الدكتور محمد علي عبد الحاج، خلال المحاضرة التي ألقاها بالمتحف الوطني بالرياض، الاكتشافات النقشية الأخيرة في جنوب الجزيرة العربية ،منوهاً بالجهود التي تبذلها الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني ممثلة في فرق التنقيب السعودية للعثور على مكتشفات تثرى التاريخ الحضاري الممتد في منطقة الجزيرة العربية عبر العصور. وقال : إن النقوش الأثرية في جنوب المملكة أظهرت تطور خط المسند الجنوبي عبر العصور، حتى أن النقوش في جنوب الجزيرة العربية تتشابه مع الأختام الاسطوانية في بلاد الرافدين في النصف الثاني من الألف الثاني قبل الميلاد، إضافة إلى أن النقوش المعينية تظهر تطور حروف وأبجديات خط المسند، وأن مملكة سبأ عاصرت مملكة معين، بخلاف المألوف عند المؤرخين. وأشار إلى نقش يؤرخ الحملة الرومانية على جنوب الجزيرة العربية، ويرسم خط التجارة بين الشمال والجنوب، كما يرسم خارطة لممالك الجزيرة العربية في القرن السادس قبل الميلاد، ومن تلك الممالك مملكة لحيان ومملكة، الذي غير ما يتناوله الدارسون بأن لحيان استوطنت مكان دادان؛ لكن النقش يوضح أن لحيان منطقة ودادان منطقة. وبحسب عبد الحاج، يقول صاحب النقش أنه خرج من دادان إلى لحيان في مهام تجارية ودبلوماسية، ومنها انطلق إلى غزة، حتى وصل إلى قبرص وما جاورها من بلاد ساحلية، وحتى بلاد الرافدين، وبلاد اليونان، مشيراُ إلى خطأ الأجانب في قراءته، فعندما درسوه قالوا إن ملك سبأ هاجم قافلة معينية خرجت من وادي الجوف في لحيان، وأن صاحب النقش قائد عسكري أرسله لمهاجمة القافلة، لكن التفسير الصحيح أنه لو أراد مهاجمتها لفعل ذلك في وادي الجوف، كما أنه واصل مسيرته إلى غزة، موضحاً أن النقش رغم أهميته إلا أنه عثر عليه بالطريقة العشوائية، وتم تهريبه إلى الخارج، قبل أن تتم استعادته. وبين أن هناك نقش عثر عليه العام الماضي، مؤرخ من القرن الأول قبل الميلاد وبداية القرن الأول الميلادي، وهو يخلد رحلات تجاريه كبيرة قام بها شخصان قاتبيان نحو بلاد الشام، وأهميته أنه يأتي على ذكر الأنباط والكندنيون ومصر والبتراء، ويرسم خط سير القوافل التجارية من الجنوب إلى الشمال ودول المتوسط، عبر بلاد الشام التي كانت الممر الرئيسي لتجارة الجزيرة العربية إلى مصر، كما أنه يعد النقش الوحيد المكتشف الذي يذكر البتراء باسم "الرقيه". وأوضح أن الفريق السعودي عثر على نقوش مسندية مهمة في موقع الأخدود، تذكر الاسم القديم للأخدود وهو "طربان"، وغير أفكار الباحثين عن قبيلة أمير، فكان الباحثون يذكرونهم علي أنهم أرباب قوافل، لكن النقش تحدث عن كونها مملكة لها ملوك يحكمونها كباقي الممالك في الجزيرة العربية. وكشف أن نقش جاب الريام يعد من أهم النقوش المسندية، لأنه يرسم خارطة جغرافية لتمركز القبائل العربية في وسط الجزيرة العربية وشرقها وشمالها، حيث يذكر أرض تضمر، وأرض الشام، وأرض الأزد وأرض معد، وأرض طي وغيرهم، كما يذكر أن أرض لحيان مملكة لها تأثيرها السياسي. وأوضح أن نقوش هجر تذكر قاده الفاو، وان اسمها القديم (طلل) رغم أن النقوش المسندية تسمها أرض (ذات كهل)، وتعتبرها عاصمة مملة كندة، وان أحد النقوش المؤرخة من القرن الأول قبل الميلاد، تخلد مهاجمة ملوك سبأ لقرية الفاو وأسر ملكها. وفى نهاية المحاضرة، دعا عبد الحاج المواطنين للتعاون مع حملات التوعية التي تطلقها هيئة السياحة والتراث الوطني بعدم التعرض للآثار بالتشويه أو بالتغيير أو تحريكها من أماكنها، مؤكداً أن القية الكبرى للمكتشفات الأثرية تكمن العثور عليها بمكانها.