يخرج عبده خال من قريته الصغيرة «المجنة» في جازان جنوب السعودية وذاكرته تحتضن الموت عندما كانت الملاريا تقتل بلا رحمة في مدينته الصغيرة فامتزجت ثقافة الموت بموهبته باكرا. ولعل روايته «الموت يمر من هنا» و«ليس هناك ما يبهج» أعظم دليل على تفريغ إيحاءات الموت روائيا وعلى طريقة عبده خال. عبده خال ولد بسيطا في قرية تحتضن المئات من وجوه البسطاء ولم يكن أحد يعلم أن ذلك الإنسان البسيط سيظفر بالبوكر ويقتنصها من مثقفين ولدوا وسط القصور وفي أحضان الرفاهية. أسس خال ثقافة انفرادية للرواية خرجت من رحم قريته الصغيرة ليقارع الكبار وينتصر عليهم، ولكن وفق لغته الخاصة ومنهجيته البسيطة. انفراد خال ليس ككونه أديبا ومثقفا وكاتبا فحسب، ولكن كإنسان يعرف قيمة هذا المفهوم جيدا فهو الذي يقول بكل بساطة إن دخوله إلى «قسم العلوم السياسية «كان بسبب «غباء الطبقة البسيطة»، ولكن «ذكاء الطبقة البسيطة نقله لأن يعزف على وتر من صنع خال وجعل الآخرين ينتجون ببذخ ونتذوق إنتاجهم ببخل شديد. ترك خال قلم الرصاص والفرجار وأدوات الهندسة عندما كان طالبا في كلية الهندسة استبدل أدوات الهندسة بأدوات الحياة لأنه احتاج إلى قلم أزرق ليكتب بساطة الإنسان وأحمر ليرصد هم البسطاء وأخضر ليرسم تفاؤل الحياة وقلم أسود ليروي حكاية الموت. عبده خال لامس هموم الجداويين رغم نكوصه لهم قريته التي وصفها بخلية في جسده النحيل يعيش في حي الهنداوية ذلك الحي الشعبي الذي يستنبط منه خال الهموم والاتراح والآلام وأخرج منه شخصية لرواية «ترمي بشرر» التي نالت البوكر بكل اقتدار. خال وضع الإنسان محورا لإبداعه وركز على الهموم بطريقة سيكولوجية متقنة تنم عن بعد نظر.. كم تعب خال في ملاحقته لأنه ظل وسيظل يلاحقة دوما وكلما زاد به العمر زاد به الركض لملاحقة ذلك البعد. خال خاطب الكل أطفالا وشبابا وشيوخا ونساء.. صمت ليجعلهم يتكلمون كثيرا للإبحار في تفاصيل النفس وأتعبنا خال أيضا بالبحث في تفاصيلة كإنسان وفي النكوص إلى شخصيته وبداياته الأولى منذ تلك الليلة التي غادر فيها بلدته الصغيرة واتجه ليروي عذابات الآخرين في مواقع أخرى.