لا أدري إذا كان أحدكم يذكر مسلسل «الرجل الأخضر»، الذي كان يعرض على قناتنا الثانية، حين لم يكن لدينا غيرها هي ورفيقتها «الأولى». كان هذا الرجل الأخضر، شابا وسيما وطيبا، يتحول إلى رجل ضخم العضلات أخضر اللون لينقذ أحدا ما من شرير ما، وكانت ثيابه تتقطع في كل مرة يتحول فيها إلى كائن أضخم بثلاث مرات. كنت أفكر حينها: «لا بد أنه يصرف كل مرتبه الشهري على الملابس التي تتقطع كل يوم مرة أو اثنتين. وربما كانت ملابس الممثل المشققة أكثر ما أرهق ميزانية منتج المسلسل». لم يعد مسلسل الرجل الأخضر يعرض على أية حال. لكن ولحسن الطالع فإن «الرجل الأحمر»، ظهر مؤخرا عندنا في الصحيفة. هذا الرجل الأحمر ليس إلا زميلنا العزيز محمد الشافعي رئيس قسم التصحيح. إذ تستلزم وظيفته مراجعة البروفات والإشارة إلى الملاحظات التي ربما تجعل من نشر المادة مخاطرة بطريقة أو بأخرى. يستهلك الشافعي كرتون أقلام حمراء يوميا. وغالبا لا يرسل إلي الصفحات إلا بعد أن يتحول لونها للأحمر القاني. زميله رجب، أصابته العدوى. يقول الشافعي: «هذه المادة مفخخة»، ولأنه حافظ للقرآن فإنه يقول: مفخخة، بالتجويد على رواية «ورش». يرد رجب: «هذه الجملة قنبلة». رجب أيضا يشدد على نون قنبلة، وكأنه يقرأ «سنبلة» برواية حفص عن عاصم. كثيرا ما أقف أمام مكتب قسم التصحيح، فأتخيله ثكنة عسكرية للدفاع عن حدود الصحيفة من كل ما يضر بها. يرتدي الشافعي خوذة واقية كتلك التي يرتديها الجنود، ويحمل رشاشا في يد وقنبلة يدوية في الأخرى. في مخيلتي يبدو مكتبه أشبه بساتر ترابي، يقف خلفه متترسا، وإلى جواره العزيز رجب، وكل منهما يصرخ: «مفخخة.. قنبلة.. قاتلة»، إلا أن أحدا لا يمكنه أن يلومهما، فهما يؤديان مهمتهما على أكمل وجه.. ومع «الوصاية» أيضا. للحق، أصبحت مدمنا للجلوس في القسم ربع ساعة على الأقل يوميا. أعتقد أننا محظوظون «بكتيبة» التصحيح التي يرأس أركانها الشافعي وزملاؤه مصطفى ورجب وعمر وفراج وغالي. تعجبني كثيرا نقاشاتهم الثرية جدا، والمؤسسة على قراءات لا بد أنها عميقة ومتعددة. هؤلاء رجال يعرفون ما يقرؤون وما لا يقرؤون. إذ إن المسألة ليست في القراءة فقط. حتى الذين يقرؤون، على قلتهم، لا يجيد بعضهم اختيار الكتاب المناسب. الكتب، كأي شيء آخر، فيها الغث والسمين، وحتى في مكتبة مليئة بآلاف الكتب لن تتجاوز نسبة الجيد منها 10 %. جيد أن نعلم أولادنا القراءة، الأجود هو أن نختار لهم كتابا ثريا. أستأذنكم الآن لأسلم هذا المقال لقسم التصحيح. لا بد أن أتسلل إلى هناك زاحفا، كما يفعل الجنود المحترفون وأهرب مسرعا، قبل أن تصيبني شظية قاتلة.