لنتأمل حالنا هذه الأيام مع التعداد السكاني، فقد جهز الجنود، وملئت الذخائر، واصطفت الصفوف وقرع الجرس إيذانا ببدء المهمة. وأخذ كل جندي ما يلزمه من متاع الرحلة ورهاب السفر، والكل قرأ دعاء الركوب، ركوب أمزجة ذلك الحي الموكل هو برصد عدده ومن فيه، فمنهم- أي أهل الحي – الصاحي والنائم والمجنون، والعصبي والهادئ والمشغول والخارج عن البيت إلى غير عودة، وعلى ذلك الجندي أن تجتمع فيه صفات أهل العرب والعجم ليستطيع أن يحقق ما يريد، وكأن أبا تمام يقصدهم ويوصيهم بقوله: إقدام عمرو في سماحة حاتم في حلم أحنف في ذكاء إياس فمن لم تتوافر فيه تلك الصفات فلا يلومن إلا نفسه، وبدأ الجنود بعملهم بجهد وإخلاص، فلا يكاد يخرج الجندي من دوامه الرسمي ليأكل لقمة الغداء إلا ويذهب ليكمل هذا العمل من العصر إلى آخر العشاء – أحيانا- فيصادف أناسا كأنهم من كوكب آخر، يظنون أن التعداد كشف لأسرار البيوت، وهتك للأعراض مما يوقع الجندي في حرج وشدة، زيادة على الجو الممطر والغائم جزئيا مع رياح باردة ودرجة حرارة تتراوح بين ال39 و41. ونحن في هذا العصر المتقدم مازلنا نلجأ إلى تلك المشاريع أو الخطوات التقليدية التي اندرس عهدها، ماذا عليهم لو كان التعداد مع التنسيق مع الدوائر الحكومية ذات الاختصاص كالأحوال المدنية وإدارة الجوازات – مثلا - ويتم التعداد من خلال المعلومات الشخصية المسجلة، وإلا ما فائدة تلك المعلومات عندهم أهي للمخالفات فقط؟ أو لدفع الرسوم في كل سنة؟ وبدلا من إحراج ذلك الجندي ليقف - كقول بعضهم - كالمتسول أمام البيوت ينتظر من يحن عليه بمعلومة أو بكأس من الماء البارد؛ كان ينبغي لعقول تدعي التطور أن تتعامل مع عالم الإنترنت بصورة إيجابية أكثر!