لا يزال الكثير من المستمعين «الغلابة» - الذين كنت أحدهم دون مشورة مني- ينتظرون بفارغ الصبر والجلد والقلق تلك الإذاعات التي تمخض عنها قرار منح تراخيص البث الإذاعي على موجات ال FM، ولأني أيضا كالكثيرين الذين يستفتحون بخيارين مرين لا ثالث لهما، فإما أن يشرعوا صباحهم بصوت مذيعة تستغرق ربع ساعة حتى تقنع المستمعين المضطهدين أن عليهم أن يبعثوا رسائلهم لأناس فارقوهم، أو تسرد خبرا عن جريمة هزت المدينة مروعة الآمنين، وصباحاتنا أيضا! وأحيانا تساعدهم في بث معلومة جديدة للغاية في أدمغتهم تتحدث عن سؤال ينتهي جوابه ب «البطيخ». ولأنك محشور بين سقف وأبواب نوافذ سيارتك فلا مفر لك من أن تقول: سبحان الله، معقولة! أو أن تتحدث عن نفسها كثيرا حتى لا يعتقد المستمعون الكرام أنها من كوكب آخر لا قدر الله! أما لدى أذني فالجريمة الأعنف هي أن تستمع لمداخلة أحدهم وفي صوته نصف نوم وهو يتساءل: «معليش بس وش موضوعكم اليوم؟!»، على وزن «طبق اليوم» قبل أن يختتم مداخلته ب: «طيب ممكن أهدي؟!» أما خيارهم الثاني في صباحاتهم فهو إحدى إذاعاتنا الحكومية، وهي الإذاعة الوحيدة في العالم التي تسمع فيها صوت «ماطور» خلف المذيع كخلفية موسيقية رتيبة / موترة تنخر وجه ساعاتك المبكرة، يتلو فيه ما تيسر من نشرة أخبار السابعة، وهي واحدة من أكثر نشرات العالم مللا. المهم أن القرار / المنقذ / الضروري، سيفتح لنا خيارات سماعية أوسع، ورغم مجيئه متأخرا إلا أن لذة الخلاص من أعوام البث المحدود على مسامعنا تغفر لهم ذلك التأخر.