سايرت الرياض متطلبات العصر، وأعلنت عن تمديد عمل المطاعم حتى الثانية صباحا، ما أغلق باب الجدل حول الإغلاق المبكر مع منتصف الليل الذي كان معمولا به في وقت سابق، لكن العديد من المدن الأخرى، لا تزال تعيش حالات الإغلاق حتى لما قبل ال12 ليلا، لترفع حلم الرغبة في تأخير ساعتين أو ثلاث، بما يدفعها لمواكبة السياحة، أو زيادة الغلة الاستثمارية. حلت الثامنة مساء بتوقيت الطائف المحلي، لا وقت للتوقف، الكل بدأ يعد العدة لاستقطاب البيات الصيفي، ذاك حمل كيسا من الخبز، ربما يكفي ليوم أو يومين، وآخر ملأ سيارته ببضاعة مزجاة، تكفي لحالات عدة، وكأن الغد لا يحمل صباحا، تتفتق فيها أبواب المحال، وكأن أمرا بالمقاطعة صدر، أو قرارا بالامتناع عن العمل دخل حيز التنفيذ. هناك بعد ساعة من الآن قرار بالإغلاق، الكل يهمس في آذان الآخرين، والسؤال الذي يداعب شفاه العابرين ماذا حل بالمدينة السياحية، هل اضمحلت البيوت؟. الكل يترقب زيارة عابر فهي الأمل في بث الحياة من جديد، حتى وإن كانت على صوت تمرد كفرات السيارة على الأسفلت، لا يهم، فالمهم هناك حركة رغم الإغلاق المعلن أو المطبق، أو حتى المفروض. الظمأ كشف المستور هبط زائر في محطة محروقات بالقرب من الطائف، ليملأ خزان سيارته بما يعينه على مواصلة رحلته، ويستعين على الصبر ببضع لقيمات، اشتراها من بقالة مشرعة الأبواب داخل محطة ساهرة على الطريق السريع، لكنه نسي المياه، قبل أن يستقل سيارته مجددا، فينتابه هاجس العطش، لكنه يسترق السمع، ويتنصت لهمهمات نفسه، التي تدعوه للسير، في ظل المقولة الشهيرة «قَضي من البقالة الأخرى»، فاستسلم للأمر الواقع، أو دافع النسيان، فراح يغبر الطريق بكفرات سيارته، وما إن اعتراه الظمأ مجددا، ووجد نفسه في محيط الطائف، حتى بدأ يتلفت يمينا ويسارا فلم يجد آثارا لحياة على جنبات الطريق، تذكر أن أقرب محطة وقود أخرى لن يجدها إلا على بعد 50 كيلومترا، صاح في صمت، معقول، الساعة لا تتعدى ال12 مساء، ماذا حل بالسكان..؟! بدأ في التفكير، رادعا لهوى خاطره، أين أصحاب المحال التجارية، والبقالات، وما الذي اعتراهم قبل منتصف الليل، «عسى ما أتاهم شر»،.. لا إجابة!. عنوان السياحة هناك وراء الجدران الأسمنتية في وسط الطائف السياحية كان الرد، وإن لم يتعد حيزه المكاني، بل في صورة تساؤل لا يبرح مكانه من تاجر تحفظ على ذكر اسمه: «ماذا نفعل باستثماراتنا، أنرحل بها إلى مكان آخر، لماذا نحن بالذات، وهل يتناقض القول مع الفعل، أليست الطائف عروسا تستحق الاحتفاء، لا يهم، فالأمر ربما لا يعنينا، أو هكذا أرادوا بألا يعنينا، لكنه حتما يعنينا، فنحن أصحاب رؤوس الأموال، وساعات النهار غير كافية، إذا استثنينا منها استقطاع أوقات الراحة والقيلولة ظهرا، ماذا تبقى لنا من وقت، ساعات قليلة نحوم حول متاجرنا لنجمع الفتات، ثم يأتي المنادي، فنضع بضاعتنا في رحالنا، ونرحل من حيث أتينا، أهكذا العنوان لمن تربى في كنف السياحة، أم هكذا العنوان لمن يرغبون في تطويرها على الصعيد الخدمي؟»، لا يملك إجابة!! التخلف عن الركب صدى صوت الزائر الذي لم يتعد حدود سيارته على الطريق السريع، وصدى التاجر الذي لم يبرح مكانه بين جدران منزله وسط الطائف، تداخل مع صدى صوت آخر كان وسط الأحياء الشهيرة في قلب الطائف، فيصل محمد الطائفي هو الآخر تمسك بالسؤال أين نحن: «من حقنا أن نشتم رائحة الورد، ونهدي محبينا لوحة الورد أينما كنا، نعم.. إنها فطرة الكون، ناموا تصحوا، لكنها فطرة الحياة، استيقظوا تنعموا بالرزق، إلا أننا ما عدنا نرى صداها في جنبات المدينة الصماء، وإن حملت على خصرها جنينا أعياه البكاء، ماذا نفعل بعد صلاة العشاء؟ نوم ولا غيره، يبقينا في تراجع من قائمة الاقتصاد الوطني، أو هكذا نتخلف عن ركب الأوائل، ولا نساير عجلة الطريق السريع، هناك لا مجال للتوقف، والأبواب مشرعة، وهنا الأبواب مغلقة، رغم أن المجال متاح للتوقف، فلماذا الإغلاق؟»، لا إجابة!!! التواصل الأسري في جنبات منزل آخر، يصدح فيه الصغار بالصراخ، وتتغزل فيه ورود المساء بقطرات الندى، في حديقة منزل أبو سامي، كان التوقف حاضرا، كل فئة تتحدث حسب هواها، لكن السؤال الذي تجمع عليه الألسن، ليس ماذا حدث، لكنه إلى متى يستمر الحدث؟ برر أبو سامي الموقف: «يجب ألا ننسى قلة الأوكسجين، ربما كانت وراء قلة الحركة، وحالة العزلة التي نعيشها، أو ربما كانوا يميلون لتعزيز تواصلنا الأسري بالبقاء خلف تلك الجدران، وقلما نجد مدينة تطبق هذا الإجراء مثل الطائف»، لكن تخمينات الأب بقيت على طاولة الحوار، فأبناؤه لم يعجبهم اللفظ، ليبدأ الحوار مسموع الصوت: «لو اختاروها ساحلية، لتحملنا بيات الليل، على أمل التبكير لرمي شباك الصيد، قبل طلوع الشمس، ولو أرادوها جبلية، لبكرنا بصيد البراري، ولخويت بيوتنا إلا من النساء، فيما السحر حال الليالي في الصحاري، وما داموا أرادوها وردية، فما الذي يحدث؟»، لا إجابة! هل تغيرت الطائف؟ تعدت الأصوات الباحثة عن فضاءات ليل أوسع للتجارة والسياحة، فضاء منزل العمري، فكان طارق العتيبي الذي يعرف أنه: «لا مجال لمطاعم إلا في الأحلام، فالساعة ال12 مساء، والإغلاق بدأ». أما صالح الروقي، اعتاد أيضا النوم مبكرا، انصياعا للأمر الواقع، فلا مجال أمامه إلا بالاستسلام لحياة الإغلاق المبكر، على الرغم من أنه سيفقد الكثير: «حتى العمل ما دام ينحصر في أوقات محددة، فلن تتوافر الوظائف، أو تتعدد الفرص، ليزداد وقت العاطلين». في الطائف أعيا السكان عدم مواكبة مدينتهم لمفهوم السياحة لواقع الشبان، فيما الزائر للمدينة الناعسة، لم يكن سوى صدى صوت متكرر، على أمل تغيير الواقع إلى حلم. مهلة الساعتين في أبها أيضا انشغلت المجالس بترديد صوت واحد «أعطونا مهلة الساعتين، ليتحقق المكسب والمراد». لكن هؤلاء يعتبرون أن المكسب الليلي يفي بمعايير السياحة التي باتت تزين مدينتهم الخضراء، لكن الإغلاق المبكر يضع أبها البهية ضمن خريطة المدن الناعسة، الأمر الذي لا يرتضيه السكان، ولا يؤيده السياح. ويرون أنه من غير المعقول أن تعيش المدينة ساعتين إضافيتين طوال شهرين في موسم الصيف، ثم تنحصر لتعود للبيات الشتوي، ما يفقد المستثمرين العديد من المزايا، ويحصر السياحة على مدى زمني معين، فيما الهدف سياحة بلا حدود مكانية في السعودية، وبلا حدود زمانية، بما يتناسب مع أهداف هيئة السياحة، التي تنشط السياحة شتاء للمدن الدافئة، وسياحة الربيع للمدن الممطرة. إجحاف سياحي رجل الأعمال والمستثمر محمد آل همام يرى أن تقييد العمل بما لا يتعدى منتصف الليل في المدن السياحية، يعد أمرا مجحفا في حق تلك المدن: «ليس مقبولا ألا يجد السائح مطعما مفتوحا بعد منتصف الليل، لأنه من الطبيعي أن يميل السائح للبحث دائما عن الطعام الجاهز، لا أن يشغل نفسه بأكل البيوت، في ظل خروجه من منزله، والسعودية من أكبر دول الشرق الأوسط تجاريا ويرتادها ملايين الزوار في كثير من المناسبات سواء في الصيف أو المواسم الأخرى، وإغلاق المطاعم بهذا الشكل له تأثيره الكبير في اقتصاديات المطاعم، إضافة إلى أثره المعنوي في الزائر»، مؤملا أن تشمل مواعيد الرياض كافة المطاعم في المملكة، وليست مدينة بعينها. الرياض قدوة ويرى صاحب مجموعة مطاعم عبدالله الكبريش أن الرياض العاصمة يجب أن تكون قدوة لكثير من المدن: «إذا ابتعدنا عن المكسب المادي للمطاعم، ونظرنا للجانب السياحي، نلحظ أن حركة السياح ليلا أكثر منها نهارا، خاصة في المدن التي تشهد حركة إضافية، وجذبا سياحيا، ولا نطلب سوى ساعتين إضافيتين لتلبية المطالبات، ويمكن عمل استبيانات لتحديد مدى الحاجة إلى ذلك، خاصة أن مطاعم أبها التي تستفيد من التمديد إن طبق لا تتعدى 15 مطعما، ما يؤكد أنه لا ضغط مصاحب»، كاشفا عن اجتماعات متواصلة بين التجار والمسؤولين، قد تسفر عن جديد. نقص خدماتي ويرى حسين المقرفي صاحب مجموعة مطاعم أن ما ينقص جمال السياحة في عسير إغلاق المطاعم مبكرا: «صيف أبها تكثر فيه المناسبات، فتمتد الفعاليات لساعة متأخرة من الليل، لكن الزائر يحرج من عدم العثور على مطعم مفتوح ما يبرهن على وجود نقص في الخدمات السياحية»