في وقت بدأ فيه أكثر من خمسة آلاف زائر يبحثون عن كشف الغموض، والسر الذي يلف رجلا غير بشري، يطوف متنقلا في أرجاء معرض ابتكار 2010، توقف وزير الكهرباء والمياه المهندس عبدالله بن عبدالرحمن الحصين، أمام جثمان محنط منذ عام، لا يزال يحتفظ بمعالم شكله. لكن الوزير الذي بدا مندهشا مما رآه، سرعان ما استمع لتفاصيل حكاية الجثة، التي لم تكن سوى مومياء تعليمية لطلاب الطب في جامعة الملك عبدالعزيز، فيما وجد نفسه أمام اكتشاف علمي جديد بتحنيط أقدام مريض السكري، كأحدث وسائل علاج الغرغرينا. نجح معرض ابتكار الذي تنظمه مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للموهبة والإبداع «موهبة» وشريكتها أرامكو، في اليوم الثاني من انطلاقته في جذب أنظار رواده، الذين تعدى عددهم خمسة آلاف زائر، ويتوقع أن يرتفع العدد اليوم إلى الضعف، حيث يستقبل طلاب 15 مدرسة كل ساعة، خلال 11 ساعة عرض يوميا، تمتد من التاسعة صباحا، وحتى العاشرة مساء. وباتت المنافسة على أشدها بين 92 اختراعا يعرضها المعرض، جميعها تحاول أن تحظى بالمراكز الأولى الفائزة بجوائز الابتكار، وتصل قيمتها إلى 300 ألف ريال، حيث سيتم الإعلان عنها في حفل يقام مساء بعد غد في فندق جدة هليتون، بحضور كوكبة من المسؤولين. قصة الجثمان ورغم توقع الوزير الحصين، بأن ابتكار 2010 حتما سيحوي الكثير من المضامين الجديدة، التي ابتكرها الشباب، إلا أنه توقف طويلا أمام جناح جامعة الملك عبدالعزيز، وتحديدا أمام جثمان شاب محنط، منذ أكثر من عام، لا يزال يحتفظ بمعالمه كاملة من دون تغيير، الأمر الذي يفتح باب منافسة الفراعنة المصريين المعروفين ببراعتهم في التحنيط منذ سبعة آلاف سنة. وسرعان ما بدد وكيل كلية الطب بجامعة الملك عبدالعزيز الدكتور عبدالمنعم عبدالسلام الحياني، حيرة الوزير، شارحا تفاصيل الأمر: «نجحنا في تطوير تقنية التحنيط بإنشاء جهاز جديد نستغني من خلاله عن مادة الفورملين المسرطنة التي كانت تستخدم في السابق، وتمثل تهديدا للأطباء والطلبة على حد سواء، لنحصل على براءة الاختراع منذ 11 عاما من الاتحاد الأوروبي». وأوضح أن الجهاز المبتكر قادر على إنتاج مومياء كل عشر ساعات: «استخدمناه في تحنيط جثمانين يتدرب عليهما طلبة كلية الطب بجامعة الملك عبدالعزيز». علاج الغرغرينا وفيما بدت علامات الرضا على محيا الوزير الحصين، انتهز المسؤول في الجامعة المهندس يحيى عبدالرزاق بدر الفرصة، لتأكيد أن الجامعة تحوي الكثير من الاختراعات: «التقنية الجديدة التي تعد من أهم الاختراعات في الأعوام الماضية، لم يتوقف أمرها على تحنيط الجثث التي يتدرب عليها طلاب كليات الطب، بل هناك اختراع جديد يتمثل في معالجة قرحة القدم السكرية أو الغرغرينا، بتقنية التحنيط، التي عالجت بفضل من الله 60 حالة مرضية، منومة في المستشفى الجامعي، والآن يعيشون حياة كريمة ويعتمدون على أقدامهم الميتة في المشي والتنقل بطريقة طبيعية، حيث جنبهم نظام تحلل الأجزاء والأطراف المصابة بالغرغرينا، مشكلات عدة، سواء اجتماعية أو نفسية». وقدم شرحا تفصيليا عن الابتكار الجديد: «الجهاز يقوم على أربع مراحل، ويعمل آليا بالكمبيوتر، ويعتمد على فكرة تحنيط الجزء الميت لدى مريض الغرغرينا بطريقة المومياء وإيقاف التسمم بالدم الناتج عن تحلل الجزء الميت، ومنع النسيج السليم من التلف بسبب هذا التحلل، كما أنه الحل الوحيد للمرضى الذين لا يتحمل وضعهم الصحي التخدير». وشرح آلية عمل الابتكار ومكوناته: «يتم تحنيط النسيج الميت لدى المريض باستخدام تقنية المومياء، حيث يتم غسل القدم بالإيثانول الممدد، وتدفئة القدم بالماء الفاتر لزيادة قدرتها على امتصاص الأوكسجين، ثم ضخ الأوكسجين لتنشيط الأعصاب، وعمل طبقة شمعية عازلة محيطة بالجرح المفتوح قبل إخراج القدم من الجهاز، الذي يتكون من مضخة هواء وخزان محلول التحنيط، وخزان إيثانول ممدد وخزان ماء، مع دارة تسخين وأسطوانات أوكسجين وصمامات تحكم وصمامات عدم رجوع، وكونترول يعمل بالكمبيوتر، وحوض معالجة القدم الذي يحتوي على مدخل السوائل ومدخل الهواء ومدخل الأوكسجين، ومخرج رمي المخلفات، وإطار إحكام هوائي حول القدم، ومحبسي استشعار مستوى المحلول الأدنى والأعلى، بالإضافة إلى خزان المخلفات، وفيه كيس المخلفات والتوصيلات». الروبوت المتحرك وبعد انبهار الزائرين، استطاع الرجل الذي بات يصول ويجول في ردهات المعرض، أن يجذب الأنظار، الأمر الذي حول بوصلة المتابعة إليه، فيما فضل الكثيرون خاصة الطلاب التقاط الصور التذكارية معه. وأمام أكثر من ألف طالب، شرح الخبير أيمن حجازي طريقة عمل الروبوت، وقدم عروض فيديو عن عالم الروبوت وتطبيقاته، وعن مكونات الروبوت ومستقبله في توجيه هذه التقنية لصالح المجتمع، ورغم أن المستهدف كان طلاب المراحل المتوسطة والابتدائية المتقدمة، إلا أن الحدث لفت نظر الجميع، وكان مثار إعجاب ودهشة جميع الزوار