أسلم أبوه بعد أن كان مجوسيا، وكان على قرب من اللغة والثقافة الفارسية، ما خوله وهو الدارس الذكي أن يترجم مادة أدبية مهمة للعالم الإسلامي.. ويكتب بدوره كتبا مهمة في الأدب جعلته في مصاف الكتاب الكبار. كتب كتبه في الأدب الصغير والكبير.. وكتابه الأشهر: كليلة ودمنة، ذلك هو ابن المقفع. حاشىا ذلك الإنسان أن يكون زنديقا.. بيد أن الوشاية السياسية أوقعت به، فهو أبرز من نادى بالتدوين والتقنين في القضاء. وكانت تلك تهمته الأبرز، حيث جعله خصومه دخيلا على الإسلام واتهموه بأن مجوسية أبيه لا تزال عالقة في ثقافته العربية والإسلامية. نبوغه هو الذي جعل أضواء السياسة تختطفه وتجعله من كتاب السلاطين، فقتل في وشاية معهودة وعمره 36 عاما، ليكون من الأدباء أمثال أبي تمام في التاريخ القديم، وأبي القاسم الشابي في العصر الحديث الذين ماتوا في زهرة الشباب. تورط ابن المقفع في الخصومات السياسية في عصر كان التصنيف بالزندقة أفضل وسيلة فيه للثأر الشخصي، فكانت عادة سياسية رخيصة للتخلص من الخصوم بغطاء شرعي. انتقد ابن المقفع بعض النظم الإدارية في عصره، وقدم اقتراحات مختلفة للإصلاح الإداري، وبحكم معرفته بثقافات مختلفة ولغات متعددة، كالهندية والفارسية واليونانية، إضافة إلى العربية، تهيأ له حس نقدي وأدبي وإداري في الاستفادة من معطيات الثقافات الأخرى، وإدراجها في المجتمع الإسلامي الذي كانت قاعدته «الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها». تلك الإصلاحات المقترحة وثقافته، قربته من بعض السلاطين، فكان ليس مجرد كاتب، بل صاحب نَفَس حر كذلك، حاول أن يستفيد من ذلك في دعم تلك المقترحات وأخذها مأخذ الجد، غير أن استقلاليته تلك عرضته للخطر وأودت به إلى حيث الهلاك، وتم تصنيفه علميا وفي بعض كتابات الخصوم زنديقا يحمل الجنسية المجوسية! ذلك التصنيف الجائر حرم مقترحات ابن المقفع الإدارية والإصلاحية من أن تأخذ مجراها. بيد أن الفضاء الأدبي الذي لا يعرف التصنيفات، كتبه أديبا كبيرا تدرس كتبه، ويعرف على أنه الأديب الكبير ابن المقفع.