كشفت سيول الرياض الأخيرة عن حقائق ما كانت لتكشف، لولا أن إرادة الله شاءت ذلك، إذ أظهرت كميات المياه قصورا كبيرا في أعمال مشاريع تصريفها، ما جعل أصابع الاتهام تتجه في كل الاتجاهات، مشيرة إلى خلل كبير في منظومة عمل المقاولين، ما دفع بمقاولين سعوديين ومنهم ضيفنا رجل الأعمال المهندس سعود الدلبحي، يسارعون للدفاع عن أنفسهم تجاه هذه التهم التي تطول أعمالهم، فخرجنا من الحوار معه بحقائق مثيرة حول هذه المشكلة. تقول التقارير إن هناك أكثر من أربعة آلاف مشروع حكومي متعثر في مختلف المدن السعودية، فما السبب الرئيسي في نظركم؟ المشكلة تبدأ من بداية مراحل المشروع، فحجم الكوادر الفنية في الإدارات الحكومية لا يتناسب وحجم المشاريع، ما أدى إلى تمرير مشاريع دون دراسات فعلية في سبيل استغراق الموازنة، وعندما طبقت على أرض الواقع واجهتها العديد من المشكلات، فبعض الإدارات تعتمد على تطبيق التصاميم النموذجية وعندما تقف على المشروع تجد عوائق غير متوقعة مثل وجود انخفاضات في الأرض، وبالتالي تحتاج إلى موازنة إضافية، فتتغير الوثائق، وتختلف الجدولة الزمنية المتفق عليها مسبقا في العقد، ويتعثر المشروع، وتعلق المشكلة بين المقاول والجهة الحكومية لأعوام عديدة. وهل هناك أسباب أخرى؟ السبب الأهم، أن العديد من المشاريع توكل لغير أهلها من صغار الموظفين وهم مهندسون حديثو عهد في الغالب، مع قلة الكوادر الفنية، ومن الظلم أن يتولى أحدهم مشروعا بالمليارات، نحن لا نشكك في نزاهتهم، بل نقول إن قلة الخبرة قد تحول دون تعاملهم مع مثل هذه المشاريع بالشكل المهني المطلوب، فالعديد من المقاولين يستغلون هذه النقطة لصالحهم، بتجيير العديد من التغيرات التي تطرأ على المشاريع لصالحهم، لدرجة أن هناك مشاريع كلفت الدولة مبالغ تعويض أكثر من قيمة تنفيذ المشروع بأضعاف، إذ اعرف مشروعا كانت تكلفته الأساسية 12 مليون ريال، ولكن تم تعويض المقاول ضعفي المبلغ ليصبح إجمالي ماحصل عليه 36 مليونا. أرجو ألا يكون حكمك هذا من خلال تجربة شخصية لك فقط. معظم الإدارات الهندسية لا يوجد فيها غير مهندس واحد حديث التخرج، ويتولى مشروعا قيمته 500 مليون ريال، وبإمكانك سؤال أي مقاول عن هذا الكلام، بل حتى نحن كمهندسين سعوديين لا نزال نحتاج إلى المزيد من الخبرة للتعامل مع بعض المشاريع الكبيرة في الأعوام الأخيرة، أنا مع التأخر في دراسة المشروع، شريطة الاستعجال في تطبيقه على أرض الواقع، والمشاريع العملاقة التي نجحت في البلد هي المشاريع التي نفذت بعيدا عن نظام العقد الموحد، وحصلت على استثناءات من الجهات العليا، كمشاريع سكة الحديد والجامعات والمدن الاقتصادية. وهل توافق على أن هناك فسادا في الكثير من المشاريع؟ لو أردت وجهة نظري، صحيح أن الفساد الإداري مرفوض شكلا وموضوعا، ولكن ما يحدث حاليا، اسوأ من الفساد، فعندما يعمل صغار المهندسين بحسن نية، ستكون جودة المشاريع أقل وستظهر مشكلات كبيرة في المستقبل وخسائر بملايين الريالات، ونسبة الموظفين الفاسدين قليلة ولله الحمد، ولكن كما أسلفت، عدم الخبرة من قِبل موظفي القطاعات الحكومية سيتسبب بشكل كبير في تعطيل الخطط التنموية في البلد وتنتج مشاريع ذات جودة أقل، وعديمة الفائدة، وبحكم عملي القريب من المشاريع، أرى العديد من الإجراءات تدار من قِبل موظفين غير مؤهلين ويؤثرون في مسيرة التنمية، ونحن لا نشكك في أمانتهم ونزاهتهم، ولكن العديد من المشاريع تتم باجتهادات خاطئة. وماذا تقول عن الاتهامات التي تطول المقاولين السعوديين، وعدم إجادتهم العمل، وكيف تنظرون إلى الاستعانة بالمقاول الأجنبي؟ المقاول السعودي خير للبلد من غيره، والعديد من المشاريع المنشأة منفذة من قِبل مقاولين سعوديين شرفاء، وإذا كان هناك تقصير من مقاول سعودي، فلا مانع من تأهيله وتطويره، فمن صالح الجميع أن يتولى المشروع مقاول سعودي، فمن يضمن للجهة أن يبقى المقاول في العمل لمدة عشرة أعوام، ومن يظن أن المقاولين الأجانب أفضل من السعوديين، أقول له إن العديد من المشاريع التي تولاها مقاولون أجانب كمشاريع التعليم، تعثرت، كما أن الشركات الصينية فشلت في تنفيذ مطار ماليزيا مثلا، والمتأمل في تنفيذ المشاريع يعرف تماما أن المقاول الأجنبي غير مهيأ للتأقلم مع تضاريس وأجواء البلد، لمتابعة عمله في الهجر والقرى والمحافظات البعيدة. وماذا ينقص المقاول السعودي في رأيك؟ المقاول السعودي ينقصه جهة أو هيئة حكومية مستقلة تفصل بما تراه مناسبا إذا اختلف المقاول مع موظفي الإدارات، فما نشاهده حاليا يمثل ظلما واضحا للمقاول، إذ يتم تقييمه من قِبل موظف مبتدئ، قد ينقل معلومات غير دقيقة عن المقاول لمن هم أعلى منه في الجهة الحكومية، وفي النهاية يتعثر المشروع. وهل يتحمل المقاولون مثلا، تعويض المواطنين عما حدث من تلفيات لأملاكهم خلال أمطار الرياض الأخيرة؟ عالميا يلزم المقاول بتعويض كل شخص تعرض لضرر في ممتلكاته بسبب إهمال أو تقصير منه في أداء عمله، ويجب على المقاولين في الأعمال التنفيذية وضع جميع وسائل السلامة والتحذير، ويحق للمواطن المطالبة بكامل مستحقاته، وعلى جميع المتضررين في أحداث الرياض أو جدة أو أي منطقة أخرى الذهاب إلى ديوان المظالم لتقديم شكوى وسينظر عن طريق التحقيق مَن المتسبب الرئيسي، وبالتالي إصدار الأحكام عليه