أول خطوة لدى كثير من شبابنا بعد الوظيفة السعي إلى الاقتراض، والغريب أن الاقتراض بالنسبة لهم غاية، فالمال الذي يحصلون عليه لا هدف منه، والدافع أن كثيرا من زملائهم اقترضوا من البنوك، لكنهم لا يعلمون ما السبب وراء اقتراضهم. تحولت فكرة الاقتراض إلى ثقافة، ثقافة يشجع عليها المجتمع. وبعد الاقتراض تكون الحلول أن يستثمرها في سوق الأسهم على الأرجح، وبعد النكبات التي مرت بها سوق الأسهم أصبح لدينا فئة كبيرة من الموظفين المديونين الذين خسروا أموالهم. وفي هذه الأيام تنشط البنوك مجددا في التسويق للقروض، وبالوتيرة والآلية نفسها السابقة، بينما كيّف المجتمع أيضا نفسه مع الواقع الجديد، وعاد إلى التشجيع على الاقتراض باعتباره الوسيلة الأمثل لتعويض الخسائر السابقة. والمشكلة أن الوضع لم يتغير، فالفرص الحقيقية لتحويل هذه القروض إلى مشاريع تعود بالنفع على المقترض ليست موجودة في ظل اختلال سوق العمل وتحول فئة من العمالة الوافدة إلى ملاك بالباطن للمشاريع الصغيرة. ومن خبرة في مجال الاقتراض أستطيع القول إن هذه القروض كارثة، فهي ديون متراكمة لا تحل إلا بديون أخرى، إلى جانب أنها غرست ثقافة استسهال تملك الأشياء من خلال قضائها على فكرة الادخار، كما تحولت المبالغ المقترضة بالشخص إلى حالة سرابية راكضة خلف ثراء واهم، فيما الحقيقة أنه شخص مديون. لا أريد لوم البنوك، فهي مؤسسات تربح من هذا المجال، ولا أريد لوم العمالة الوافدة فهذه فرصة اغتنمتها لتحسن أوضاعها، لكن هذه الأموال التي تقترض تسهم في زيادة الوفرة المالية التي بدورها ترفع معدل التضخم في أسعار السلع الأساسية، وترفع أسعار الإيجارات، وأسعار العقارات، وغيرها، وهنا المقترض غير مستفيد من قرضه، والممتنع عن الاقتراض لم يسلم من التبعات.