نشأت قصة توأمة، من خلال الارتباط الطويل بين رجل الأعمال المخضرم عبدالرحمن الجريسي وغرفة تجارة الرياض، إذ لا يمكن ذكر أحدهما دون الآخر، لدرجة أن البعض قد يقول جزافا: «جريسي الغرفة»، أو «غرفة الجريسي»، ليصبح هذا الرجل أقدم رؤساء الغرف التجارية السعودية، سواء بالاختيار السابق أو بالانتخابات الحديثة، فالجميع يبحثون عن عنصر الخبرة والعراقة والتاريخ الطويل في عالم المال والأعمال. لو عدنا بالذاكرة إلى البدايات.. كيف دخلتم دنيا المال والأعمال والمراحل التي مررتم بها إلى أن أصبحت مجموعتكم «مجموعة الجريسي» واحدة من الصروح الاقتصادية الكبرى في المملكة، يسجل لها أنها أول من أدخل الكومبيوتر إلى السوق السعودية، هل تحدثونا عن هذه التجربة؟ كانت البدايات متواضعة جدا، إلى أن دخلت مشواري مع العمل الخاص المستقل قبل نحو 50 عاما، وكان ذلك في نشاط الأدوات المنزلية، ولهذا أطلقت اسم مؤسسة «بيت الرياض» على المؤسسة، ثم تحولت إلى الأثاث والأجهزة المكتبية، واستقر التخصص على الأجهزة المكتبية، ثم أضفت أنشطة أخرى وانتقلت إلى الكومبيوتر وتقنياته، وكنت بالفعل والحمد لله أول من أدخل الكومبيوتر إلى أسواق المملكة، وكانت ماركته «وانج»، وتم تسويقه لدى الجهات الحكومية آنذاك، ثم ارتقينا بالنشاط من تسويق الأجهزة التقنية إلى مرحلة التصنيع الوطني، ولدينا الآن مصانعنا الخاصة والحمد لله، ولدينا أسواق خارجية في العديد من الدول، ونقوم على سبيل المثال بتصنيع البطاقات الذكية ونصدرها إلى جميع دول المنطقة باعتبار مصنعنا الوحيد من نوعه بالشرق الأوسط. عايشتم مسيرة غرفة الرياض لأعوام طوال، وكانت لكم بصمتكم الواضحة عليها، كيف تقيمون تلك المسيرة، وهي تكمل تقريبا نصف قرن من عمرها المديد في خدمة القطاع الخاص والاقتصاد الوطني؟ من خلال عملي بالغرفة لأعوام طوال، أعتقد أنها خطت خطوات كبيرة ومتقدمة سواء على صعيد خدمة قطاع الأعمال في منطقة الرياض أو خدمة المنطقة بشكل عام، وحين أتحدث عن الغرفة فإنني أرى في مسيرتها منجزا وطنيا تحقق بفضل الله، ثم بفضل حكومتنا الرشيدة وبجهود ودعم ومتابعة الراعي الأول للغرفة منذ نشأتها عام 1381ه أمير منطقة الرياض الأمير سلمان بن عبدالعزيز، فهو الداعم الأول والدافع الأساسي لجهود ومنجزات الغرفة، أما سجل الغرفة التجارية الصناعية بالرياض فهو مليء بالمواقف الداعمة لمسيرتها والتي وقف الأمير سلمان خلفها دائما، ولعل مركز الرياض الدولي للمعارض، الذي أنجزته الغرفة أحد أبرز المنجزات العمرانية والحضارية في مدينة الرياض خير شاهد على ما تجده مشاريع الغرفة من دعمه الكريم. كخبير محنك، ما هي نصيحتكم لشبابنا وفتياتنا، كي يحققوا طموحاتهم في عالم المال والأعمال؟ الشباب والشابات كما يعلم الجميع هم عدة المجتمع وهم الطاقة الدافعة لقاطرة الوطن والحماس المتوقد دائما بالنشاط والحيوية والقوى الحية فيه، ولهذا فنحن نعلق آمالا عريضة عليهم، ونثق أنهم قادرون على العطاء بسخاء، لكننا نريد منهم أن يكونوا أكثر جرأة وإقداما، وأن يقتحموا مجالات كثيرة لا تزال تنتظرهم، لا نريد منهم أن يجلسوا على أريكة الكسل انتظارا لوظيفة مرموقة أو منصب عال، أو إمبراطورية تجارية وثروة تهبط عليهم من السماء، فنحن نعيش عصر العمل والعلم والجد والاجتهاد، وعلى شبابنا ألا يركنوا إلى الراحة ويحلموا ببلوغ القمة وهم لا يزالون عند السفح، والقمة تحتاج لعمل مضن شاق وصبر وعزيمة وعدم تعجل الصعود إلى القمة في عالم الأعمال والتجارة، وليس عيبا أن تبدأ بداية متواضعة إلى أن ترتقي للمكانة التي تطمح وتريد، كما أدعو شبابنا أن يأخذوا العبرة ويتمثلوا نماذج التجارب الأخرى الناجحة لرجال الأعمال السعوديين الذين تزخر بهم المملكة، والذين كافحوا وثابروا حتى بلغوا آفاق الشهرة والنجاح، وعلى شبابنا أن يتسلحوا بالعلم قدر استطاعتهم حتى يبلغوا غاياتهم وطموحاتهم، وأكرر ما سبق أن ذكرته لشبابنا فعليهم أن يتمثلوا تجارب الرعيل الأول من رجال الأعمال المكافحين الذين بدؤوا مشوارهم من الصفر، نحتوا في الصخر، وصعدوا خطوة خطوة حتى اعتلوا القمة، وصاروا نماذج يشار إليها بالبنان في عالم المال والتجارة، تعرفهم دوائر المال وقوى الاقتصاد الشهيرة في العالم، ولو تمثلتم أيها الشباب بدايات هذه النماذج المضيئة لما تصورتم ما هم فيه الآن، وكيف تؤثر قراراتهم في دنيا التجارة والأعمال. نادى عدد من المهتمين بالقطاع الخاص بضرورة وجود هيئة رسمية سعودية، لتكون مسؤولة عن المنشآت الصغيرة والمتوسطة أو جهاز تنضوي تحته جميع الجهود التي تبذلها الجهات الأخرى ذات العلاقة، ما رأيكم؟ الواقع أن هذه الهيئة المقترحة مطلب مطروح منذ أعوام وهي آلية أخذت بها العديد من دول العالم، ولا تزال هذه الهيئة تشكل ضرورة ملحة في بلادنا لإتمام عملية الإصلاح الاقتصادي، ولترعى قطاع المنشآت الصغيرة بالسعودية، وتساهم في وضع التشريعات والسياسات التي تمكن منشآت هذا القطاع من التطور والتقدم والنمو، وبالتالي تكوين قطاع اقتصادي قوي من هذه الشركات الصغيرة والمتوسطة يكون قادرا على الاستمرار بقدراته وإمكانياته الذاتية وحجم السوق المتوافر له والقدرة على المنافسة والتواؤم مع القطاعات الاقتصادية المختلفة من خلال الخدمات التي يفترض أن توفرها الهيئة مثل الاستشارات، التدريب، التمويل، والمعلومات والمواءمة مع مختلف القطاعات الاقتصادية، ومن هنا فإنني أؤيد هذه الفكرة وأرى أنها ستؤتي ثمارها الهامة لاقتصادنا الوطني. فيما يتعلق بالأزمة المالية التي أصابت الاقتصاد العالمي وبدأت رحلة التعافي منها، إلى ماذا تعزو عدم تأثر الاقتصاد السعودي بها؟ كان للدور الحكيم والواعي الذي أدارت به قيادتنا الرشيدة وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين وولي عهده والنائب الثاني، أثره الحاسم في تحصين اقتصادنا الوطني ضد الزلازل التي أحدثتها الأزمة، حيث تم حصرها في أضيق نطاق والتعامل معها بصورة صحيحة أعانت اقتصادنا الوطني على الإفلات من مساوئ الأزمة ومضارها، إذ وجه خادم الحرمين الشريفين مؤسسة النقد العربي السعودي بمساندة الجهاز المصرفي، وتمكينه من أداء مهامه بصورة جيدة وتغطية أي هزات يمكن أن تجابه المصارف، وتوفير السيولة لها وضمان سلامة النظام المصرفي، مع اعتماد العمل الصارم بمعايير الشفافية في الجهاز المصرفي والائتماني، وتشديد الرقابة من الأجهزة الحكومية المختصة على أدائه، ما عصم جهازنا المصرفي من عمليات التلاعب التي أسرفت فيها بعض المؤسسات المالية والائتمانية في أمريكا ما أشعل الأزمة العالمية. وكيف كانت جهودكم كغرفة للمساهمة في خروج المملكة من آثارها السلبية؟ سعت الغرفة للعمل بكل جدية على تعزيز قدرات القطاع الخاص، في ظل هذه الأزمة، من خلال تنظيم المحاضرات والندوات التوعوية التي تضع صناع القرار في القطاع الخاص في الصورة الحقيقية للأزمة، مع قيام خبراء اقتصاديين وماليين بوصف الخطوات السليمة التي يجب اتباعها لمجابهة آثار الأزمة، والتأكيد على توفير حاجات السوق المحلية من المنتجات والسعي لتحسين مواصفات المنتج السعودي، ليجد فرصة أكبر للمنافسة في الأسواق الإقليمية والعالمية وفتح أسواق جديدة لها، كما سعت الغرفة من خلال ما تستقبله من وفود دبلوماسية وتجارية على أعلى مستوى من دول عديدة، على فتح قنوات جديدة للتعاون التجاري والاستثماري، كما دعت الغرفة إلى قيام الجهات المعنية بالدولة لاتخاذ المحفزات الاقتصادية التي تعزز ثقة المستثمر المحلي والأجنبي في السوق المحلية، ومنها الإسراع في تحسين البيئة الاستثمارية ومنح المزيد من المزايا والمحفزات للمستثمر، خصوصا الأجنبي كي يشعر بالثقة والأمان. إلى أي مدى ستضيف منظومة المدن الاقتصادية العملاقة التي يتبناها خادم الحرمين الشريفين إلى جهود تعزيز بيئتنا الاستثمارية وتدعيم مكانة المملكة على خريطة الاستثمار العالمي واستقطاب المزيد من التدفقات الاستثمارية الأجنبية؟ لا شك أن مشروع مدينة الملك عبدالله الاقتصادية، ومنظومة المدن الاقتصادية التي تبناها خادم الحرمين الشريفين ستعزز مكانة المملكة على المستوى العالمي كوجهة استثمارية أكثر تنافسية، والإسهام في دفع عجلة الاقتصاد بمقاييس عالمية، وتوفير الكثير من فرص العمل لأبناء المملكة، وستستقطب المدن الاقتصادية المتخصصة أكبر قدر من الاستثمارات المحلية والأجنبية، كما هو ماثل في مدينة الجبيل الصناعية التي تجتذب نحو 50 % من إجمالي الاستثمارات الأجنبية في المملكة. كان لجهودكم على مدى أعوام عدة رأستم فيها مجلس إدارة الغرفة في دورات متعاقبة دفع عمل الغرفة لتنتقل من المحلية إلى الإقليمية فالعالمية، وبعد أن كان الناس يسمعون بالكاد عن تصاديق الغرفة، باتوا يشاهدون زعماء وقادة الدول ورؤساء الحكومات يقصدون الغرفة للقاء رجال الأعمال، ما الذي ساعد على نجاحكم في تحقيق ذلك؟ نعتز بأن تكون غرفتنا مقصد قادة الدول ورؤساء الحكومات والوفود الرسمية، ونسعد أن تكون غرفة الرياض ملتقى لهذه الشخصيات وهو ما يؤكد في النهاية المكانة المميزة لرجال الأعمال السعوديين وأثرهم في حركة التجارة العالمية، كما تؤكد رغبة هؤلاء القادة في تطوير وتعزيز الروابط الاقتصادية بين المملكة ودولهم، والوفود الزائرة هي من مظاهر العمل الدائم والدائب الذي تشهده غرفة الرياض طيلة أيام السنة، وبلغ عددها خلال أعوام الدورة الماضية لمجلس الإدارة «ال14» نحو 321 وفدا بينهم رؤساء دول وحكومات ووزراء ورؤساء غرف وهيئات اقتصادية مرموقة حول العالم .