في زمن العولمة وتسارع المد الحضاري الذي تحول فيه العالم إلى قرية كونية أصغر من ثقب الإبرة، لا تجد روحا تقبل أن تلبس ثوب الأخرى، ولم يعد بمقدور الأم أن ترغم ابنتها على أن تكون نسخة كربونية منها، لولا أن مجتمعاتنا العربية يصر فيها الأب غالبا على أن يرى أولاده الذكور في جميع المهن والشخصيات التي فشل في أن يكونها بنفسه، وهي حال الأم أيضا. وهذه الحالة أدت إلى نشأة الملايين من الأجيال العربية ذات وجه واحد يخفي تحته عدة وجوه أخرى تظهر عند الحاجة. فجميعنا مثاليون وبلا أخطاء أمام بعضنا، حتى تشعر أنك تشاهد مسرحية مملة ومن دون هدف، إلى درجة أنك تعرف أحداثها من لحظة رفع ستارة المسرح إلى ختامها. لا جديد في كل ما يحدث داخل أروقة البيت العربي الأسري: أولاد يغمضون عيونهم ويدعون الانقياد التام، ويصطنعون صلة الرحم حتى يشب طوقهم. وحين يصبحون هم بدورهم آباء يبدؤون في ممارسة مراهقتهم أو طفولتهم المختطفة من قبل أبوين يريدان من طفلهم أن يكون رجلا ويكف عن البكاء إثر سقوطه من دراجته، بينما لم يتجاوز عمره ثلاثة أعوام. كل ذلك لأن الأبوين بدورهما يلبسان قناعا مزيفا يريدان منه أن يظهر أبناءهم كدمى زينة تسر الناظرين من الجيران، وتستغرب أنك بلغت من العمر عتيا وقد أصبح لك أولاد، لكنك تصر أن تمارس الأدوار التمثيلية نفسها مرتديا قناعا مختلطا من ملامح وجوه الآخرين. هذه مخرجات المجتمع العربي، وهذه أقنعته. يخبرونك أن حبل الكذب قصير، بينما يعتبرون الذكي هو من تكون حبال أكاذيبه طويلة. هي حالة خطيرة ومؤذية تتمثل في ممارسة الوصاية على الأرواح والعقول. فدعونا نتشارك سويا في محاولة نزع جميع هذه الأقنعة المزيفة عن وجوهنا، فقد اشتاقت أرواحنا للركض في الهواء الطلق من دون الخوف من أن نتعثر ونسقط فنتعرض لسخرية الآخرين. فاليوم الذي ينقضي من حياتنا من دون أن نعيشه هو خسارة فادحة يصعب تداركها.