تبدو العلاقة بين المثقف والفنان في أسوأ حالاتها خلال العقدين الأخيرين. وتتضح لنا هذه القطيعة حين نستطلع الأسماء الفنية البارزة في هذا الجيل بحثا عن الفنان أو «الفنانة» المثال الذي من المحتمل أن تشفع له صورته أو ثقافته – ضمن حدودها الدنيا باكتساب احترام المثقف الذي يبدو نفوره طبيعيا ومتوقعا في ظل التهافت الأخلاقي والاجتماعي الذي يعانيه الوسط الفني عموما، مع أن إدراج هذه الإشكالية في خانة «عزلة المثقف» يبدو معقولا إلى حد ما، وكذلك تحميله جزئيا مسؤولية الانحطاط الفني. وربما يكون هذا النكوص من جانب المثقف، نتيجة للنفور الذي يبديه تجاه الوسط الفني بوضعه الراهن، وربما يعود الأمر كذلك إلى انعدام الشعور بالنديّة تجاه الفنانين الذين لا يبدو أن أحدا منهم يحاول التقرّب من الأدباء – على المستوى الفكري أو الشخصي كما كان الحال في العقود الماضية، حين كانت هند رستم مثلا تزهو بصورتها مع العقاد وتعتبرها من أنفس ممتلكاتها الشخصية، أو حين يمتنّ عزت العلايلي «المثقف بدوره» لليد البيضاء التي بسطها له الصحفي الشهير محمد التابعي، أو حين كانت نجاة الصغيرة تتوسل القصيدة من نزار قباني، أو حين نمعن النظر في علاقات الرحابنة وفيروز بشعراء لبنان والعالم العربي. والتابعي تحديدا مثال جاهز على الدور الذي قد يلعبه المثقف في الوسط الفني، فهذا الصحفي العريق الذي أضاف إلى نجاحاته المهنية رصيدا من الأسماء الفنية اللامعة التي استطاع أن يتنبأ بموهبتها ويقدّمها عبر قلمه وعلاقاته إلى أن أثبتت مع مرور الأيام جدارتها ورسخت في ذاكرة الناس. ولن يكون من المبالغة أن نعوّل على هذه العلاقة في تصفية أثيرنا الملوّث من الضوضاء الصوتية التي يصدح بها أشباه المطربين والمطربات، إذ يمكننا أن نعزو ولو جزئيا موجة الأصوات القبيحة التي نعاني نشازها هذه الأيام، إلى تلاشي دور المثقف أو «الصحفي على أقل تقدير» في تزكية الجيد وكبح الرديء، والاستسلام إلى اختيارات المنتجين الذين اتضح لنا إلى أي مدى هم «دقيقون في معاييرهم»!!.