في الفضائيات والصحف والمواقع الإلكترونية ورسائل ال (إس إم إس).. تجد من يعرض عليك تفسير حلمك وتأويل رؤيتك، حتى غدا الأمر أشبه بالظاهرة التي تفشت وتلقى رواجا بين العوام في المجتمع، دون أن يفسروا هم الآخرين أن هناك من يحاول أن يمرر اللعبة عليهم ويستنزف جيوبهم دون وجه حق. وساهم هذا الهوس الذي جعل من (سوق الأحلام) طريقا سريعا للثراء في انتشار كثير من المفسرين (الجهلة) على الفضائيات، والذين لا يفرقون بين الأحلام والرؤى أو حتى الوقوع في فخ الشعوذة إن لزم الأمر في بعض الأحيان.. “شمس” طرحت هذه الظاهرة على عدد من رجال الدين الذين بدورهم طالبوا بالتقليل من برامج تأويل الرؤى، خاصة تلك التي تعتمد على استنزاف جيوب المشاهدين، وحذروا من الجهل المطبق لهؤلاء المعبرين، وألا يتصدى لتأويل الرؤى إلا المؤهلون تماما لذلك، تجنبا للوقوع في الأخطاء، فالرؤى كما ورد في الحديث النبوي الشريف، على جناحي طائر فمتى أولت وقعت، لذا ينبغي الاهتمام بصحة التعبير والتأكد منه قبل إطلاق ذلك، والدعاة بينوا من خلال حديثهم ل”شمس” عددا من المحاذير التي يمكن أن تقع خاصة مع ظهور المفسرين فضائيا، وبالتالي يجب تفاديها من أجل الخروج من دائرة المحرم... الإنصاف والمصارحة في البداية قال الشيخ سعود بن إبراهيم الشريم إمام وخطيب المسجد الحرام إنه من باب الإنصاف والمصارحة والنصح ألا نلقي باللائمة كلها في موضوع الرؤى والإفراط فيها على آحاد الناس فحسب، بل لا بد من تعدية الأمر إلى العابرين أنفسهم الذين يعبرون الرؤى، إذ عليهم مسؤولية عظمى تجاه الرائين. فلا بد للعابر أن يكون عالما بهذا العلم العظيم، وأن يدرك المصالح والمفاسد في هذا الميدان، وألا ينصب نفسه للفتيا في الرؤى ويتطلع إليها، ولا سيما عبر الشاشات وفي أماكن التجمعات الكبيرة، فتعبير الرؤى قرين الفتيا، وقد قال الملك: (يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون)، يقول ابن القيم رحمه الله: “المفتي والمعبر والطبيب يطلعون من أسرار الناس وعوراتهم على ما لا يطلع عليه غيرهم، فعليهم استعمال الستر فيما لا يحسن إظهاره”. تسرع المعبرين وحول التسرع في التعبير ذكر الشريم: “على المعبرين ألا يتسرعوا في التعبير، وألا يجزموا بما يعبرون، وأن يعلموا خطورة هذا الجانب، وما يوصله إليه من الافتتان والإعجاب بالنفس وتعظيم شأنه فوق شأن المفتين وأهل العلم”، وقد نقل ابن عبدالبر عن الإمام مالك أنه سئل: “أيعبر الرؤيا كل أحد؟ فقال مالك: أبالنبوة يلعب؟!” وقد نقل ابن عبدالبر أيضا عن هشام بن حسان أنه قال: “كان ابن سيرين يسأل عن مئة رؤيا فلا يجيب فيها بشيء، إلا أنه يقول: “اتق الله وأحسن في اليقظة فإنه لا يضرك ما رأيت في النوم، وكان يجيب في خلال ذلك ويقول: “إنما أجيب بالظن، والظن يخطئ ويصيب”. فإذا كان هذا هو قول إمام المعبرين في زمانه وما بعده من الأزمان فما الظن بمن جاء بعده، إننا لنسمع بالمعبر يسأل عن ألف رؤيا لا تسمعه مرة يقول: “لا أدري، أو يقول: هذه أضغاث أحلام، أو يقول: هذه حديث نفس، إلا من رحم ربك”. أخطاء يقع فيها المعبرون وشدد الشريم على ضرورة أن يدرك المعبرون خطورة تعبير الرؤى من خلال الشاشات التي يراها الملايين من الناس، وكذا المجامع الممتلئة بالحشود، وذلك للأمور التالية: أولها: أن الانفتاح المطلق بالتعبير نوع فتنة من أجل حديثه في أمور الغيب، ولا سيما أن أحدا لا يستطيع أن يجزم بصحة ما يقول العابر من عدمه، إلا من رأى ذلك في واقعه، وهذا شبه متعسر عبر الشاشات. وثانيها: تعذر معرفة حال الرائي عبر الشاشات من حيث الاستقامة من عدمها، وهذا له صلة وثيقة بتعبير الرؤيا، فابن سيرين سأله رجلان كل منهما رأى أنه يؤذن، فعبرها للصالح منهما بالحج لقوله تعالى: وأذن في الناس بالحج، وعبرها للآخر بأنه يسرق لقوله تعالى: ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون”، والشاطبي رحمه الله يقول في مثل هذه الحالة: “فمتى تتعين الصالحة حتى يحكم بها وتترك غير الصالحة؟!”. وثالثها: عدم إدراك عقول الناس لطريقة بعض العابرين للرؤيا، ولا سيما عبر الشاشات بحيث يكون تعبيرهم بصورة تجعل المستمع الجاهل لأول وهلة يقول: هذا تكهن أو تخمين أو عرافة، ونحن قد أمرنا بمخاطبة الناس على قدر عقولهم، فقد أخرج البخاري في صحيحه قول علي رضي الله عنه: (حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله؟!). رابعها: أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، فالمفسدة من خلال التعبير عبر الشاشات أشد من مصلحته، لأمور لا تخفى على متتبعها، ولا سيما أنها في أمور غيبية وأنها كالفتوى، والسلف الصالح كانوا يتدافعون الفتوى ما استطاعوا، ناهيكم عن بعض الفساد المتحقق من خلال ما يشاهد ويسمع من تعبير رؤيا لفتاة مثلا بأنها ستفشل في نكاحها، أو لامرأة تعبر لها بأن زوجها تزوج عليها سرا بامرأة أخرى، فهذه جملة من الدواعي لعدم ظهور المعبرين أمام الناس لتعبير رؤاهم. لا يفرقون بين أنواع الرؤى من جانب آخر أكد الشيخ محمد المنجد المشرف على مواقع الإسلام أن عددا من معبري الأحلام لا يفرقون بين أنواع الأحلام، وبين أن الرؤى ثلاثة أنواع منها رحماني ومنها نفساني ومنها شيطاني، مستشهدا بحديثه صلى الله عليه وسلم: “الرؤيا ثلاثة: رؤيا من الله، ورؤيا تحزين من الشيطان، ورؤيا مما يحدث به الرجل نفسه في اليقظة فيراه في المنام”. وقال إن رؤيا الأنبياء وحي وهي معصومة من الشيطان، وهذا باتفاق الأمة ولهذا أقدم الخليل على تنفيذ أمر الله له في المنام بذبح ابنه إسماعيل عليهما السلام، وأما رؤيا غير الأنبياء فتعرض على الوحي الصريح فإن وافقته وإلا لم يعمل بها، وهذه مسألة خطيرة جدا ضل بها كثير من المبتدعة من الصوفية وغيرهم. أسباب الرؤيا الصادقة وقدم المنجد توجيها لمن أراد أن تصدق رؤياه فليتحر الصدق وأكل الحلال والمحافظة على الأمر الشرعي، واجتناب ما نهى الله عنه ورسوله صلى الله عليه وسلم، وينام على طهارة كاملة مستقبل القبلة، ويذكر الله حتى تغلبه عيناه، فإن رؤياه لا تكاد تكذب البتة. وأصدق الرؤى رؤى الأسحار فإنه وقت النزول الإلهي واقتراب الرحمة والمغفرة وسكون الشياطين، وعكسه رؤيا العتمة عند انتشار الشياطين والأرواح الشيطانية.