يتحول الضياع في شارع أو حي معين إلى هم يأسر الكثيرين ممن لا يجيدون خريطة الأماكن في مدينة أو منطقة ما، وأصبح مألوفا أن نجد العديد من سكان المدينة ذاتها ممن يجهلون المواقع والشوارع وأسماءها، في وقت أصبح سائق التاكسي الوافد يعرف من المدينة ما لا يعرفه ابنها. الأمر لا يعدو كونه همّا ولكنه يستهلك وقتا وجهدا كبيرا ويدخل الباحث عن المكان إلى تشتت فكري وذهني يرتمي من خلاله في أحضان الأسئلة، ويتوجه عبثا ذات اليمين واليسار ليبحث عن إجابة محددة قد لا تأخذ العلامة الكاملة في معظم الأحيان، خصوصا إذا تعلق السؤال بحي غير معروف أو شارع غير معلوم أو موقع بعيد عن السؤال. معرفة جزئية الشباب وهم الفئة الأكثر تعدادا في المجتمع المحلي بحسب الإحصائيات باتوا يجهلون الأماكن بشكل كبير لأسباب تمحورت في أنهم دأبوا على الذهاب إلى أماكن معينة، ولأنه لا توجد لديهم مسؤولية عائلية تدفعهم إلى معرفة مواقع الحدائق والمتنزهات وقاعات الأفراح والأسواق والمجمعات التجارية المخصصة للعائلات والمستوصفات والمستشفيات والمدارس، ولكنهم محترفون في معرفة مقاهي الكوفي شوب وملاعب الكرة ومواقع الترفيه وكل المواقع على الكورنيش وأحياء أصدقائهم وزملائهم، كما أنهم برزوا في جانب آخر يتمثل في تبرعهم ومساعدتهم لمن يبحث عن المكان لأنهم عادة ما يكون لديهم وقت فراغ كافٍ فيقومون بتوجيه التائهين وفق معرفتهم وإن ظلوا يبحثون كنوع من التطوع والتبرع الذاتي للمساعدة للبحث عن الموقع الضائع. دليل التائهين الشباب العاملون في قطاع الليموزين يأتون على قائمة المتبرعين بالبحث عن المكان للتائهين، يقول سعيد عتيق: ”لدي سيارة ليموزين وعادة ما أقوم بمساعدة التائهين في الشوارع، وهم عادة ما يتوهون في الأحياء حيث إن مدينة كجدة كبيرة جدا ويوجد فيها آلاف الشوارع، وأكثر من 100 حي، وعادة ما يخطئ سكانها فيها”، ولكنه يشير إلى أن معظم السائلين من القادمين للتنزه أو الاصطياف في جدة حيث إنهم لا يجدون معلومات عن المدينة سوى الشوارع الرئيسية فقط ، ولكنهم عندما ينوون التوجه إلى حي معين فإنهم يخطئون. ويضيف أنه وبحكم عمله كسائق ليموزين بات يعرف نحو 90 في المئة من المدينة، وعادة ما يساعد التائهين، ولكن بعضهم حتى إن أرشدته عن طريق الوصف إلا أنه يظل تائها فإذا وجدت أن الشخص لا يعرف عن الموقع الذي يود زيارته أي معلومة فإني أضطر إلى توصيله بنفسي لأنه حتما لن يصل في ظل جهله التام، وآخرون يمتلكون معرفة بسيطة فيصلون على الوصف. ويتابع:” إذا اعتاد الشخص السير والتنقل بالسيارة في أكثر من موقع فإنه مع الزمن سيعرف المكان جيدا، ولكنه قد يجهل أماكن أخرى”، لافتا إلى أن سائقي الليموزين هم الأكثر معرفة بالمواقع. سؤال بالاسم مؤيد ومهند الزايدي شابان يسكنان حي المروة أكدا أنهما أكثر من مرة وأثناء جلوسهما مع شباب الحي في الحارة يتفاجآن بسيارات تقف بجانبهما ويبادر سائقوها بالسؤال عن شارع أو مدرسة أو محل تجاري، ويقول مؤيد:” نصف لهم وأحيانا حتى نحن نجهل أسماء المحال ذاتها، فبعضهم يطلب اسم بقالة صغيرة أو محل بنشر لأنه قد زار قريبا له في فترة سابقة وجاء مرة أخرى ولم يعد يعرف الطريق سوى من تلك المحال، وأحيانا نتفاجأ بشباب يسألون عن أسماء أقاربهم بالاسم، وهذا يحيرنا كثيرا فنحن لا نعرف سكان الحي بأسمائهم وأحيانا نعرف اسم قبيلة أحدهم فندله عليه، ولكننا نحاول قدر المستطاع أن نعطيهم وصفا دقيقا إذا امتلكنا معلومات كافية عنه”. وعن معرفتهما بالشوارع والميادين أكدا أنهما لا يعرفان إلا حيهما وبعض المواقع التي يذهبان مع زملائهم إليها أثناء إجازة خميس وجمعة، مؤكدين أنهما وبحكم عدم امتلاكهما سيارات تخصهما فإنهما يظلان تائهين عندما يتجهان إلى الأحياء جنوبجدة أو الأحياء القريبة من البحر. تطوع شبابي من جهة أخرى أكد هيثم عبيد “23 عاما” أنه ممن يعرفون جدة جيدا، ولكنه يجهل أحيانا بعض المواقع فيها كالأسواق والمجمعات التجارية لأنه غير ملزم بالذهاب إلى تلك المواقع، فهو من محدودي التجوال كثيرا مما خلق لديه جوا من العزلة عن عدد من مواقع مدينة كبيرة كجدة، ولكنه أحيانا يحاول أن يتعرف على الأحياء البعيدة عن مقر سكنه. ويضيف:” معظم الشباب لا يعرفون إلا المواقع التي يتجهون إليها فقط، ولا يجيدون معرفة المواقع الأخرى البعيدة”، مؤكدا أن الشباب عموما لديهم حب المساعدة للضائعين في الشوارع خصوصا أنهم يجهلون المواقع تماما وبالتأكيد فإنهم يتطلعون إلى شخص يوصلهم إلى المقر الذي يريدون التوجه إليه، ولكنهم عموما يعرفون المواقع التي يتجهون إليها مع زملائهم خصوصا أن بعضهم طلاب لا يملكون سيارات خاصة، وبالتالي يكونون في بعد عن مواقع الأحياء البعيدة أو بعض الاتجاهات داخل المدينة، ولكنهم إن كانوا على معرفة ودراية بها فإنهم حتما سيسهمون في إيصال التائه، لأن الشباب عادة ما يهتمون بهذا الجانب ويعدونه جزءا من التطوع والمبادرة وفعل الخير. ثقافة محدودة أما علي محمود “19 عاما” فيؤكد أنه ومعظم الشباب يجهلون المواقع العامة وخصوصا الطرق المؤدية إلى الأحياء، لافتا إلى أن الشباب لديهم ثقافة معلومات كبيرة عن المواقع التي يرتادونها ويعرفونها جديا لأنهم دائما ما يترددون إليها بشكل كبير، ويقول:” مثلا، البحر نعرفه جيدا لأننا نذهب إليه بشكل متكرر أكثر من مرة في الأسبوع، وكذلك مواقع الكوفي شوب أو محال الإنترنت أو الملاعب وخلافها إلا أننا نجهل العديد من المواقع مثل المجمعات التجارية أو الطرق المؤدية إلى الأحياء، وكذلك يعرف كل شاب موقع منازل زملائه ولكنه لا يعرفها إلا هي داخل الحي، وقد لا يعرف إلا طريقا واحدا فقط يؤدي إلى الحي، وهذه ثقافتنا”. وعن مساعدة التائهين، يقول:” ثقافتنا ضئيلة حول المواقع، ولكننا إذا عرفنا الموقع فحتما سنساعد التائه، ولكن ثقافتنا عن مواقع المدينة تظل محدودة إلا أن الشباب الذي يمتلكون سيارات ليموزين تحديدا تكون لديهم ثقافة كبيرة عن المواقع والاتجاهات في المدينة بحكم طبيعة عملهم التي تتطلب ذلك وكل يوم يتعرفون على الجديد”. إجابة الضائعين ويؤكد فواز الخبراني “24 عاما “ من سكان حي قويزة أنه وعلى الرغم من ولادته في جدة إلا أنه لا يعرف منها سوى الأحياء الجنوبية فقط، مضيفا أنه ومع الازدحام المروري الكثيف الذي تشهده المدينة إلا أنه يكتفي بالجلوس في المنزل أو الحارة وإن ذهب هو وزملاؤه خارج الحي فإنهم يذهبون إلى البحر فقط ولديهم طرق مختصرة للذهاب إليه، حتى انهم إذا وجدوا ازدحاما مروريا وحاولوا إيجاد طرق بديلة فإنهم أحيانا يتوهون. ويضيف:” بعض الشباب لا يمتلكون خبرة كافية بالمواقع والاتجاهات كافة، خصوصا أن المدينة كبيرة ونتفاجأ أحيانا أن من سكان الحي الواحد من لا يعرف كل مواقعه، فالتطور العمراني في تزايد وبحكم أن بعض الشباب لا يملكون سيارات فإنهم لا يعرفون كل اتجاهات المدينة، ولكننا أحيانا نساعد من يتوه حتى ولو اضطر الأمر إلى أن نستوقف سيارة ليموزين ونسأل قائدها خصوصا إذا كان الشخص التائه من خارج الحي ويسكن في حي بعيد”. ويتابع قوله:” العديد من التائهين يسألون عن المستوصفات وطرق كبرى مثل طريق مكة وطريق المطار وطريق المدينة والبلد وهكذا، فمعظم الأسئلة تتجه نحو المواقع الكبرى وهذا لا يعني أن آخرين لا يسألون غيرها، فبعض التائهين يسألون عن مواقع صغيرة وأسواق لا نعرفها أو أنهم يسألون عن شوارع صغيرة وغير معروفة أو أسماء شقق أو مجمعات سكنية دون أن يعرفوا الشوارع المحيطة بها وهذه تحيرنا كثيرا”، مشيرا إلى أن الشباب لديهم ثقافة ولكنها تبقى مقتصرة على المواقع التي يتجهون إليها بشكل دائم، وعدم توجههم مع أسرهم إلى المجمعات التجارية أو المستشفيات ووجود الأب الذي يقوم بالمهمة أسهم في نقص ثقافة الشباب بالمواقع والشوارع المختلفة في مدينتهم. احتيال للكسب محمد فياض “سائق ليموزين “ أكد أن هنالك أشخاصا يستوقفونهم للسؤال عن حي أو سوق معينة، ويقول:” هنالك مواقع نعرفها ولكن بعض السائلين عن المواقع يجهلون أسماء الشوارع التي تعد لنا الدليل الأكبر للاتجاه، ونحن نتجه إلى توصيل المشاوير بناء على اسم الشارع أو اسم مقر أو جهة بجواره بحكم أننا نعرف الشوارع ولا نعرف بالتحديد أسماء الأسواق والمطاعم كلها، ولكننا نتجه إلى الموقع عن طريق الشارع ونجد أن بعضهم لا يعرف اسم الشارع فلا نستطيع أن نوصله إلى الموقع، ولكننا نحاول إفادته وتوجيهه حسب ما لدينا من معلومات”. ويشير مصعب الشهري إلى أن بعض سائقي الليموزين يحاولون أن يحتالوا على السائل بتجاهل تحديد وصف دقيق له أو وضعه في متاهات أخرى فيلجأ التائه إلى الاستعانة بهم حتى يوصلوه وذلك لكسب مشوار التوصيل بدلا من الوصف المجاني، مستشهدا بقصة حدثت له شخصيا وسمع عن قصص مماثلة لآخرين تدل على ذلك.