القسوة التي يبديها بعض الآباء تجاه أبنائهم، والتي تصل إلى حد الإيذاء المفرط وتهديدهم بالقتل، بزعم تربيتهم، لن تقوّم اعوجاجا فيهم بل ستصنع منهم شخصيات مشوهة مسلوبة الإرادة ضعيفة مستسلمة، هذا إن لم تتحول إلى شخصيات نارية تحاول أن تنتقم وتفرغ أحاسيسها القهرية في محيطها من زملاء المدرسة والجيران، وقد تسنح لهم الفرصة للانتقام بصورة أو أخرى من الأب كالتمرد عليه وعصيان أوامره أو الهروب من البيت وغيرها. وللأسف فإن هذه الممارسات حولت المؤسسة الأسرية من مؤسسة للأمن والسكينة إلى مؤسسة تعج بالفوضى والمشاجرات والعنف، واختفت الصورة الجميلة للأب والأم باعتبارهما رمز العطف والحنان والحماية. قبل فترة قليلة قرأت في إحدى الصحف أن محكمة الاستئناف أقرت حكما أصدرته المحكمة الجزئية في جدة بسجن مواطن أسبوعا وجلده 50 جلدة بعد أن هدد ابنته بالقتل مستخدما سكينا.. وأن الأم بادرت بإبلاغ الشرطة حتى تضع حدا لتلك التهديدات التي يطلقها الأب. ولنتصور حال الأب بعد أن يطلق سراحه ويعود إلى البيت.. كيف سيكون شكل العلاقة بينه وبين ابنته وبينه وبين زوجته التي أبلغت عنه؟.. في تصوري أنها لن تكون في أحسن حالاتها بعض الوقت، وقد تعود الأمور لمجاريها اعتمادا على مدى سعة قلب الأب وتفهمه لتصرف زوجته الذي هدف إلى تلقينه درسا في كيفية معاملة الأبناء. على الآباء أن يدركوا أن الأبوة ليست امتيازا يخول لهم التصرف كيفما شاؤوا في أبنائهم ضربا وشتما وتعنيفا وحبسا، بل هي مسؤولية جسيمة جدا.. ليست فقط في توفير المأكل والمشرب والملبس والتعليم والعلاج لهم، بل في الحفاظ على إنسانيتهم وحريتهم وكرامتهم وأمنهم.. ومسؤوليتهم في أن يخرجوا إلى المجتمع رجالا أصحاء نفسيا خالين من العقد والمشكلات الأسرية التي تعوق طريقهم وتعوق حركة المجتمع نحو البناء.