تجاوز عدد كبير من الشباب السعودي ثقافة العيب بالاعتماد على النفس وممارسة كثير من الأعمال اليدوية التي تخدم المجتمع، ضاربين أروع الأمثلة بإقبالهم على مراكز ومعاهد للتدريب المهني في تخصصات كانوا يخجلون منها في السابق، ولعل ما حدث خلال موسم الحج الماضي كان ردا عمليا على حالة نضج لتفكير الشباب وأيضا نظرة المجتمع بممارسة نحو 100 متدرب سعودي في تخصص الحلاقة مهام الحرفة بشكل رائع لضيوف بيت الله الحرام خلال أيام التشريق. “شمس” قامت بزيارة ميدانية للمعهد المهني بجدة للاطلاع على تجارب بعض الشباب الواعي الذي أدرك قيمة الحرفة اليدوية في تأهيله لمستقبل واعد بدلا من الانتظار في الطابور للحصول على الوظيفة الحكومية، ورصدت شعور بعضهم وهم يقومون بالعمل المهني على أكمل وجه وبتفانٍ وسعادة غامرة؛ حيث تنوعت الحرف التي يتدربون عليها بين النجارة والبناء والدهان والمعدات وغيرها من المهن التي يحتاج إليها المجتمع. استقرار عملي في قسم التمديدات المنزلية بالمعهد تحدث عبده حجوري أحد المتدربين عن تجربته ويقول إنه حصل على دورة مكثفة في تخصصه الجديد واكتسب مهارات عديدة بعد مرور شهر واحد من بدء الدورة، ويعتزم بعد التخرج افتتاح ورشة خاصة به تكون مصدر رزق حلال وتدعم استقراره العائلي، ويشير إلى أن المدربين أسهموا بشكل كبير في زرع الثقة بنفسه وجعلت العمل اليدوي محببا إليه، وأضاف: “كشباب كسرنا عقده الاعتماد على الغير وانتظار الوظيفة الحكومية، وسنعتمد على أنفسنا على الدوام”، ويرى أن الأعمال اليدوية تحقق مكاسب مادية تتجاوز ثمانية آلاف شهريا في حال اكتساب الخبرة وإتقان المهنة وكسب العملاء، مشيرا إلى أن نظرة المجتمع للشباب الذي يعمل في الأعمال اليدوية تغيرت للأفضل. ممتع جدا أما المتدرب غدران العمري الذي يتدرب على فنون الدهان فيرى أن العمل اليدوي ممتع جدا ويكسب الشاب علاقات اجتماعية عديدة وتجعله محل احترام العملاء، عكس ما يتردد عن احتقار المجتمع لصاحب المهنة اليدوية، وأضاف: “تعلمت من المعهد المهني كيفية ممارسة دهن الجدران والأرضيات بعدما مررت بأربع مراحل في التدريب مع مدربين سعوديين”، ويقول إنه يعتزم افتتاح محل فور التخرج لممارسة مهنة الدهان بعد اكتسابه الخبرات الكافية، مشيرا إلى أن والدته دعمته بشكل كبير فى الانضمام للمعهد بغرض التدريب، كما باركت زوجته ذلك التوجه. ويشير العمري إلى أن مكتب الموارد البشرية بالمعهد يقود بدور رائع في توجيه الشباب نحو التدريب واكتساب المهارات في حرف معينة، مثمنا دور المدرب محمد الصاعدي في تشجيعهم وبذل مجهودات مضنية مع فريق المتدربين لتأهبهم حرفيا بشكل عملي وليس الاكتفاء بالدراسات النظرية، كما ثمن دور الإعلام في دعم توجه الشباب نحو العمل اليدوي، متوقعا أن يتجه نحو 40 في المئة من الباحثين عن فرص عمل خلال الأعوام الخمسة المقبلة إلى الأعمال الحرفية. مكافآت وتحفيز بدوره أكد الدكتور راشد بن محمد الزهراني رئيس مجلس التدريب التقني والمهني بمنطقة مكةالمكرمة اعتزازه بتحول الشباب الباحثين عن فرص عمل لمراكز التدريب لممارسة أعمال حرفية ويدوية بدلا من انتظار الوظيفة الحكومية، وقال إن للمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني تجارب ناجحة فى تأهيل وتدريب الشباب الباحثين عن فرصة عمل شريفة ومربحة، ففي موسم الحج الماضي تم تدريب مئات الشباب على مهن خدمة الحجيج وكان يتم منح المتدرب مكافأة شهرية تصل إلى 800 ريال شهريا أثناء فترة التدريب، إضافة إلى الملابس والأدوات التي يحتاج إليها المتدرب، وبعد أن يقضي المتدرب فترات تدريبية لتعلم هذه المهنة يمنح بعدها شهادة تمكنه من مزاولة مهنة الحلاقة، سواء في القطاعات الحكومية أو فتح الخريج منشأة صغيرة لممارسة هذه المهنة من خلال الدعم الذي يقدمه البنك السعودي للتسليف. برامج للابتعاث ويؤكد الزهراني أن الشباب السعودي بطبعه مبدع وقادر على الإنتاج؛ ولذلك حرص برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي لإعداد المدربين على إعداد المدربين التقنيين بالمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني عبر ابتعاث خريجي المؤسسة (بنين وبنات) للخارج، شريطة ألا يكون المتقدم شاغلا لوظيفة حكومية أو أهلية، وألا يكون قد مضى على التخرج أكثر من ثلاث سنوات، وأن يجتاز المقابلة الشخصية، موضحا أن البرنامج يتيح لحملة الشهادة الجامعية المتوسطة الدراسة بأفضل الجامعات والمعاهد العالمية وخاصة التقنية منها؛ لمواصلة الدراسة لمرحلة البكالوريوس في العديد من الدول المتقدمة مثل أمريكا، بريطانيا، إيرلندا، أستراليا، كندا، ألمانيا وغيرها ولإكمال مرحلة البكالوريوس لخريجي الدبلوم في تخصصات مختلفة كالتقنية الميكانيكية وتقنية كهربائية وتقنية الحاسب الآلي وتقنية مدنية ومعمارية وغيرها، كما يتيح البرنامج للنساء التدرب في تخصصات التزيين النسائي وتصميم وصناعة الحلي والمجوهرات وتقنيات الخياطة.