تشهد المناطق الحدودية روابط أسرية تتجاوز الجنسية والجغرافيا، ودفع تشابه العادات والتقاليد والمناخ وحتى اللهجة والأكلات العديد من الشباب السعوديين في تلك المناطق للارتباط بالفتيات الأردنيات وخاصة شباب المناطق الشمالية “تبوك - القريات - حائل والجوف” حيث توثقت علاقات الأسر بالأردن عبر سنوات طويلة ترسخت معها العلاقات وأصبحت أكثر ترابطا، ورغم اختلاف الإجراءات النظامية لكتابة العقود وشروط النكاح إلا أن ذلك لم يمنع كثيرين من الارتباط بعلاقات زواج وإنجاب أبناء. “شمس” وقفت على الترابط الأسري في المناطق الحدودية، ورصدت ارتفاع حالات الزواج وأسبابه وطبيعة حياة المتزوجين في حال تعثر إكمال الشروط النظامية للزواج. زواج تاريخي دفع دخول القوات السعودية للأردن وفلسطين قبلها إلى زيادة حالات زواج السعوديين من الفلسطينيات والأردنيات، وكانت إجراءات الزواج في تلك الأيام سهلة وميسورة كما رواها العم “أبو مسفر” بقوله: “عندما كنت ضمن القوات السعودية المرابطة في الأردن تعرفت على رجل من مدينة الزرقاء يقال إنه “مختار الحجازيين” هناك، وعرض علي الزواج من فتاة أردنية الجنسية حجازية الأصل، وكانت إجراءات الزواج بسيطة وغير معقدة ولا تحتاج إلى موافقة من الجهات الحكومية كما هي الآن، ومضى على زواجي الآن أكثر من 50 عاما لم يحدث بيني وبين زوجتي والحمد لله ما يكدر الخاطر، لذلك زوجت ابني الكبير من ابنة خالته، وشجعتني على ذلك قلة التكاليف سواء في صالة الأفراح أو غيرها، وكانت تكاليف الزواج كاملة أقل بكثير من مهر فتاة سعودية الأصل، وكلنا عرب ومسلمون وتربطنا مع الأردن حدود وعادات وتقاليد ونسب قديم، والفتيات الأردنيات تواقات إلى التأقلم مع نمط الحياة والمعيشة والدراسة، إضافة إلى العادات والتقاليد الواحدة، الأمر الذي عزز من ذلك التقارب. عن طريق الخاطبة “أم فهد - أردنية الأصل” مهنتها جمع رأسين بالحلال، وهذه المهنة أصبحت شائعة على المستوى المحلي للأسر، وتمت على يديها أكثر من حالة زواج تفتخر بها، وتقول: “في زمن سهل فيه التواصل عبر الجوال أصبحت تصلني العديد من طلبات الزواج من الشباب السعودي من سكان تبوك والمناطق المجاورة، وفي الغالب يتصل بي الزوج نفسه الباحث عن بنت الحلال”، موضحة أن البعض حريص على “أصل البنت ونسبها” ويطلب أن نخطب له من أسر معروفة، أو تربطهم علاقة معرفة مسبقة، ويودون أن نكون لهم وسطاء في الزواج. وتضيف: “بصراحة، الشباب كرماء ويقدرون أتعابي واتصالاتي، كما أنهم كرماء مع أهل الزوجة وصادقون في معلوماتهم، وواضحون مع أنفسهم، يريد أحدهم الزوجة في حدود شروطهم وطلباتهم، وأهمها التربية والتعليم والجمال، وهم منا وفينا”. وتتفق “أم إبراهيم” مع أم فهد، وتضيف: “إقبال الشباب على الزواج من أردنية أو حتى سورية له أسباب، فالأردنيات لديهن القدرة على التأقلم مع أي مستوى معيشي أو أي ظروف حياتية دون تذمر، ولا فرق بين الأسر الأردنية والسعودية، فالعادات والتقاليد واحدة، ومن تتزوج وتأتي إلى تبوك كمن تتزوج وتذهب إلى إحدى المدن الأردنية، فسهولة المواصلات قاربت بين الناس وكسرت بعد المكان والأسرة”. الصلاح والسمعة ويؤيد مشعل الكريشان الموظف في إحدى الشركات، فكرة التزاوج بين الأسر السعودية والأردنية لأنه ضد مبدأ التعصب الإقليمي، ويقول: “لا مانع أن تتزوج أخواتي من رجل أردني، والأهم أن نرضى بدينه وأمانته وأخلاقه فلا فرق بين الشعبين، فالجنسية لا تحدد الموافقة من الرفض إنما صلاح الرجل وسمعته”. ويضيف: “إننا في البلدين أسرة واحدة، فهناك من قبائل بلي في فلسطين والأردن، وكذلك الحويطات وبني عطية، ونحن أيضا كريشان منا من هم من معان، ومن هم من تبوك، وفي الوقت الحاضر سهل التواصل وقربت المسافات ولم تعد بالشاقة مثلما كانت في الماضي، فالأسر السعودية الآن لا تغيب عن السفر للأردن حتى في إجازة نهاية الأسبوع، للسياحة أو العلاج أو زيارة الأنساب أو لحضور مناسبات أو تسوق، وهذا دليل على عمق ترابط أبناء البلدين فيما بينهم حتى دون زواج”. بانتظار الموافقة الشاب محمد البلوي، متزوج من بنت عمه السعودية، يقول: “أول تفكيري في الزواج كان من فتاة أردنية، والموافقة سأحصل عليها بسهولة لأنني متزوج ولدي أربعة أولاد وأعاني من إعاقة في قدمي ولولا هذه الظروف لما استطعت أن أحصل على الموافقة”. ويرى “مساعد” أن الفتاة الأردنية تقدر التعامل مع الرجل، ويقول: “اختارت لي شقيقتي صديقتها الأردنية للزواج، وبما أنها مولودة في تبوك فأنا على أمل أن أحصل على الموافقة سريعا، لأن القرارات تنص على عدم صدور الموافقة للشباب السعودي للزواج من غير السعودية سواء مصرية أو أردنية أو سورية أو أي جنسية أخرى إلا أن يكون المتزوج مسنا أو يعاني إعاقة جسدية، وفي حالة حصولي على الموافقة سأقيم الفرح أيضا بالأردن اختصارا للتكاليف”. آسفين.. البنت مطلوبة أما “عبدالله” فقد تقدم لخطبة ابنة خاله في عمان، واستمرت فترة الخطبة أكثر من خمسة أعوام دون أن يحصل على الموافقة مع أنه دفع لشخص ادعى أنه سيقدم له المساعدة مبلغا وقدره 600 ألف ريال دون فائدة، فاضطر لأخذ العروسة وأهلها إلى سورية حيث عقد قرانه عليها هناك. ويضيف: “أقمت حفل الزفاف بعمان وتركت زوجتي عند أهلها وعدت لتبوك، ولم أحصل على الموافقة من الجهات السعودية المختصة إلا بعد أن أنجبت زوجتي ابنتنا البكر، والآن هي معي في تبوك ولكن بإقامة قانونية”. ومر “صالح” بتجربة سلبية لم يكتمل معها زواجه من فتاة أردنية، قائلا: “تقدمت لفتاة أردنية تدرس معي في نفس الجامعة، وقد أعجبت بخلقها وأسرتها وقدمت لها الشبكة وقرأنا الفاتحة، وبعد سنة اقترحت علي والدتها أن أعقد قراني عليها عند شيخ يعرفونه، وعندما رفضت وأصررت على انتظار الموافقة الرسمية، قالت الأم “نحن آسفين فالبنت مطلوبة من قريبها”، فما كان مني إلا أن قلت “أتمنى لها التوفيق”، وعلمت من البنت فيما بعد أن ما قالته الأم ما هو إلا ممارسة ضغوط علي، وللآن لم يتقدم للبنت أحد، وأبدت استعدادها لانتظاري”، وتمنى أن تعمل الجهات الرسمية تسهيل معاملة الزواج من غير السعودية، أو أن يتراجع الأهالي عن طلباتهم الباهظة للعريس من مهر وقصور أفراح وشبكة وولائم جعلتهم يهربون من بنت البلد، على حد قوله. لا مانع “الجوهرة” طالبة في قسم إدارة الأعمال، تقول: “لا أجد ما يمنع الزواج من رجل أردني، فهو يقدر التعامل مع المرأة، ويتيح لها فرصة المشاركة في الحياة والتخطيط للمستقبل، كما أن تفكير الفتاة الآن تغير فأصبحت تبحث عن تحقيق ذاتها، والأردن فيها متسع من التخصصات العلمية المختلفة وفيها أكثر من 7000 طالب سعودي في مختلف التخصصات نظرا إلى التقارب في العادات والتقاليد والمحافظة، وإضافة إلى مجالات العمل المتنوعة والمتاحة، وكذلك سهولة التوظيف والحياة الاجتماعية جدا متقاربة والأهم أنها ستستمر على بيئة إسلامية ومتوافقة مع عاداتها وتقاليدها”. أما “العنود” طالبة في قسم الحاسب، فتقول: “لا يوجد فرق بين السعودي والأردني، فالفتاة تطمح أن تتزوج بالرجل المناسب في دينه وخلقه، وأن يكون عونا لها في تأسيس حياة أسرية مستقرة، والأردني يعرف كيف يتعامل مع المرأة بكثير من المرونة”.