طيبة النفوس سلوك فطري لا يمكن إقصاؤه لمجرد نزوح مفاهيم مستحدثة تنتقص من تلك الطيبة، وذلك ما أصبح يعاني منه كثيرون بحسب العرف الاجتماعي، ومن واقع سلوكهم الذي لا يؤذي أو يضر الآخرين أنهم طيبون، حيث أصبحت صفة “الطيبة” مرادفة للضعف والهوان وقلة الحيلة، فيما هي من حسن المعاملة ورقة القلب لأنها تبقى خصلة كريمة تبعد صاحبها عن أي سلوكيات عدائية أو مكر النفوس الذي يكيد للآخرين. “شمس” ناقشت قضية الرجل الطيب والمرأة الطيبة مع أجيال مختلفة والأسباب وراء تغير الصورة تجاه هذه الصفة، وهل بالفعل يتحمل الزمن المسؤولية عن ذلك؟. زمنكم أغبر بداح بن فالح الهاجري في الثانية والسبعين من عمره ندب حظه كثيرا على ما يشاهده من تغير في تصرفات المجتمع على آخر عمره، قائلا: “للأسف، عاصرت زمن الأجداد والآباء زمن الأخلاق والنفس الطيبة، زمن كان الناس يتنافسون على الخلق الطيب والسمعة الطيبة، حيث كنا نغبط الرجل الطيب لأن سمعته وما يقوم به من شهامة يكون حديث الناس في المجالس، بل كان آباؤنا يطالبوننا بأن نقتدي بابن فلان، وفي بعض الأحيان يعايروننا بأننا لم نقدم شيئا يرفع أسماءهم، مما يجعلنا نتحسر، بل وفي بعض الأحيان نتسامر نحن والمقربون بالتفكير في كيفية القيام بعمل يرفع رؤوس آبائنا بين العربان، بينما في زمنكم الجاري للأسف تغيرت النظرة للرجل الطيب، فبعد التفاخر به أصبح رجلا ضعيفا، ومن السهولة الضحك عليه، بل أصبح البعض يخجل من نفسه إذا رزق مولودا وبات من ذوي الهيئة الطيبة، خوفا وخشية من أن يصبح لقمة سائغة بين أفواه أبناء الزمن الجاري”. وعند سؤاله: هل تغير الزمن بالطبع أم النفوس والنوايا هي التي تغيرت؟ ويجيب: “بل النفوس والنوايا هي من تغيرت، وأنا أكاد أصدم مما أسمعه، ومما يحدث في أقسام الشرطة والمحاكم لأناس تحولوا للسجون بسبب أن أحدهم رجل طيب ضحك عليه من قبل شخص لا يخاف الله، وفي النهاية ينعته المجتمع بأنه رجل غبي وضعيف”. ويؤكد الهاجري تعرضه لمواقف محرجة بسبب طيبته، ويقول: “وثقت بأحد أبناء الجيران ممن كانوا يلعبون مع أطفالي أيام صغرهم وهو الآن تقريبا في نهاية الأربعينيات من عمره، وكانت النتيجة مبلغ عشرة آلاف دفعتها من جيبي، وبعد هذا الموقف أتمنى أن أحتفظ بطيبتي لنفسي ولأبنائي من بعدي”. الزمن واحد ويرى مصطفى الحمود أن الزمن لم يتغير ولن يتغير حتى يرث الله الأرض ومن عليها، ولكن نفوسنا تغيرت، وتهاوننا في التمسك بما أتى به الشرع الحكيم والمصطفى عليه أفضل الصلاة والتسليم جعلنا نقلب الأمور رأسا على عقب، فمن بعد قصص الأجداد عن الرجال الطيبين في زمنهم الماضي وتضحياتهم أصبحت المحاكم المتنزه الوحيد للرجل الطيب، فلا نلوم الزمن بل يجب أن نلوم أنفسنا. وعما إذا كان يؤيد التخلي عن العمل الطيب، يقول: “لا بالطبع، فشرعنا الحنيف يحثنا على ذلك ومن الصعب التخلي عن تلك الخصلة الطيبة، ولنتحدث بعقلانية فعجلة الحياة تسير والزمن لا يخلو من الناس الطيبة، فأنا أري أن يتقمص الرجل شخصيات عديدة في نفسه، فالرجل الطيب يتعامل معه بالمثل ومن يشك فيه يحاول التهرب منه قدر المستطاع أو أن يخدمه فيما هو معقول، بينما الشخص ذو الأهداف الخبيثة فليس عليه سوى أن يعامله بالمثل، فعامل الناس بمثل ما تحب أن يعاملوك”. لا مجال للتغيير أماني طالبة الهندسة ترى أنه من الصعب جدا على أي إنسان أن يتقمص شخصيات أخرى حتى يتخلص من الطيبة، وليست الطيبة الزائدة بل الطيبة العادية أصبحت خطيرة في مجتمعنا الحالي، وتقول: “كثيرا ما أتعرض إلى مواقف محرجة بسبب طيبتي، مع العلم بأنها ليست بالمواقف المؤثرة، ولكنها لا تخلو من المكر والخداع، وسعيت جاهدة لتغيير المسار في شخصيتي من خلال تقمص شخصيات عدة، إلا أنني أفشل في النهاية، بل وصلت في البعض إلى مرحلة الحديث مع نفسي، مما جعلني أطرق أبواب العيادات النفسية، وكثيرا ما استشرت المختصين، وفي النهاية وجدت العزلة الاجتماعية الحل الأمثل لذلك من خلال تقليص عدد الزملاء والاعتذار المستمر عن المناسبات، والتهرب من التعرف على الزميلات الجدد حتى لو كن طيبات؛ خوفا من اكتشاف المستور في المستقبل”. أما ضياء سعيد، فيقول: “دائما ما نتحدث عن المعوقات التي تواجهنا كشباب أو فتيات في زمننا الحالي، ومن النادر جدا أن نبحث عن الحلول المتكاملة والإيجابية، وعلى سبيل المثال موضوع الرجل الطيب وما يواجهه من صعوبات في حياتنا الحالية نتحدث عنه كثيرا ونري بأنه إنسان ضعيف، بل البعض ينعته بألقاب وقحة مثل “الغبي، والهطف، والضعيف”، ولم نفكر في الحلول المثلى له كرجل طيب. قاطعناه: تتحدث عن الحلول المثلى، فما هي تلك الحلول؟، ويجيب: “لست بمفت أو فيلسوف حتى أتحدث، ولكن لك أن ترى على سبيل المثال المجتمعات القروية والقبلية من النادر أن تجد الرجل الطيب فيها يعاني من الصعوبات عكس المدن والمجتمعات الحضارية، حيث كانت العولمة والتفتح والظروف الاقتصادية سببا في ذلك”. طمأنينة الرجل الطيب يقول الشيخ مساعد الدخيل مدير مركز الألفة الاجتماعي التابع للندوة العالمية للشباب الإسلامي بمحافظة الخفجي إن ردة فعل الناس تجاه أي موضوع يقوم به بعضهم ليس معناها بأنهم وقعوا في الخطأ، حيث قال تعالي: (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله)، ولاحظوا كلمة أكثر في الآية، فهي أكبر دليل بأن ردة فعل الناس تجاه تصرفات الفرد لا تؤكد بأنه إنسان مخطئ، وكذلك حديث المصطفى عليه أفضل الصلاة والتسليم عندما قال عن آخر الزمن إنكم تعرفون وتنكرون فمن يعش منكم ير اختلافا كبيرا، والابتعاد عن دين الله وسنة نبيه سبب رئيسي فيما يحدث من خيانة وغدر بالطيبين، ولكن يجب على الرجل الطيب ألا يتأثر بما يراه من بعض الأمور من بعض الأشخاص، بل من الواجب عليه أن يتفاخر بتلك الخصلة الطيبة التي وهبها الله سبحانه وتعالى له وحث الشرع عليها. أمر مستحيل الدكتور حمود البغلي بمجمع الأمل والصحة النفسية بالدمام قال إن الإنسان من الممكن أن يجبر على فعل الخير مهما حاول ذلك، حتى لو كان يمتلك بعض السمات الشخصية العدوانية، وهذه الشخصية والسمات تختلف من شخص إلى آخر، مشيرا إلى أن الشخص الطيب في غالب الأمر عندما يخسر أي شيء أو يتعرض لموقف صعب يعاني كثيرا من المشكلات والاضطرابات النفسية وغيرها من الأمور، ولكن أن يحاول ذلك الرجل الطيب أن يغير شخصيته بالشكل الكلي فهذا شيء من الصعب جدا، ففي الغالب يبقى الشخص على شخصيته الأولى طوال حياته، ومحاولة التغيير ستكون عواقبها وخيمة.