حينما أحست أن شحنة فراغ تقطن دواخلها، ولم يستطع أن يزيلها صوت الموسيقى الصاخب بجانبها، ولا الحديث الدائر خارج غرفتها، ولا ضجيج الأفكار برأسها، استلقت على سريرها وأخذت تتأمل فضاء الغرفة الذي تشبع بأنفاسها من كثرة ما تطيل المكوث في ذلك المنفى الصغير. ثم أخذت تداعب خصلات شعرها، وتنظر في المرآة إلى جسدها الممشوق، وعادت لترسل بنظرتها بتخبط وبلا هدف، ثم أطلقت زفرة تملل لتبدي استياءها من ذلك الوضع الرتيب الذي لا يظهر جديدا. كل ما حولها بات يشغلها حتى جهاز التبريد أصبحت تلمس فيه صوتا عاليا لا تحتمله، وجدران الغرفة الصامتة تستفزها بلا سبب. التقطت كتابا كان يرقد على رف بقربها وبدأت تتصفح بين العناوين والمحتويات، وعادت تتأفف بضجر ففي داخلها كم هائل من الفراغ لا تدري كيف تفرغه، ولا إلى أين تذهب به، وما من شيء مفيد تملأ به وقتها في تلك المساحة الكئيبة. خرجت بفكرها عن مكان جسدها إلى خلف سور غرفتها وتخيلت نفسها هناك بالخارج بضجيجه ونقاشاته وحواراته وناسه. وإذ بصرخة من أعماقها..لا، رفضت مشاعرها الخارج، وعادت بها لعالمها الصغير، لتستعيد تاج حريتها من أمزجة الناس، وعتبهم ومشاكلهم، في هذا العالم فقط قد تجمع الفصول الأربعة، وتختار وقت العتب أو الشجن، والرثاء أو الهجاء، والحب أو البراءة، والفرحة أو الكمد، وحينها أصبحت تلمس نعومة موسيقى جهاز التبريد، وفضل المذياع في طرد أي وضوح للأحداث الخارجية، وحتى الجدران الصامتة تعطي فرصة في الحديث إلى النفس. .. فأدركت أن أي فراغ لا يجتمع مع عالمها الحقيقي، فلقد نسيت أو تناست أشياء صغيرة ذات قيمة كبيرة في المعنى والمكانة.. نسيت قلمها!! .. فالكاتب فيض وقته وفكره وصمته لقلمه، فلا يمكن أن يُشحن بالفراغ أو الحيرة ما دام هناك سطور وورق يكفي أن تُفرغ فيه الكلمات. .. حينها قبضت بقوة على عنق القلم لتختنق أفكاره وتبادر بالاستسلام للبوح، فتملأ الورق ووقتها وفضاء الهمس. البنفسج