يمتلئ الفضاء العربي بمئات القنوات الحكومية والخاصة، التي بدأت انطلاقتها أثناء أو بعيد أزمة الخليج الثانية. ولا شك أن حجم الاستثمار فيها يصل إلى مليارات الدولارات، من مصروفات ومداخيل إعلانية وجهود بشرية، بالإضافة إلى المداخيل التي تضخ بمئات الملايين من جيوب الجمهور. ومع أن شعارات كثير من تلك القنوات أنها للجمهور ومن أجل الجمهور، وهذا ما هو مفترض، إلا أنها تظل مجرد شعارات، وبالطبع لا نعمم ولكن كثير منها. أما السعي لكسب المعلنين وزيادة الربح فهذا مفهوم طالما أنها ليست جمعيات خيرية، كما أنها بحاجة للموارد المالية لتغطية نفقاتها أولا، ثم لتحقيق الأرباح وهذا حق مشروع لا جدال فيه. ولكن هناك مسؤولية اجتماعية خصوصا أنها مؤسسات تتعامل مع الجمهور على مختلف فئاته العمرية وطبقاته الاجتماعية. عدا أن المسؤولية الاجتماعية حق على أي منشأة اقتصادية لها مداخيل وفيرة سواء كانت قناة فضائية أو شركة خدمية. لكن للأسف تظل هذه المسؤولية وهذا الالتزام الأخلاقي قاصرين كثيرا في منطقتنا العربية رغم أننا مهد الديانات والحضارات الإنسانية. فقد أصبح اعتماد القنوات الفضائية العربية الخاصة على رسائل الجمهور عبر الهواتف الخلوية يضمن لها مداخيل هائلة، نظرا إلى سهولة الإرسال في ظل الثورة التقنية، ولإغراء القنوات عن طريق الإعلان الموجه بطريقة التكرار والإغراء بالربح، واللعب على هذه الناحية نفسيا لتأثيرها على الجمهور، وللطبيعة البشرية الباحثة عن المال الذي جبل على حبه البشر إلا من رحم الله. فالقنوات العربية الخاصة الأشهر والتي سبقت غيرها زمنيا وأصبحت المفضلة لضخامة برامجها وللجودة الإنتاجية والتميز في بعض تلك البرامج، لا تمر خمس دقائق إلا وتعيد إعلاناتها بالدعوة للربح والمال وحث المشاهدين على إرسال رسائل SMS عبر هواتفهم بطريقة مغرية غاية في الذكاء والتأثير، فيهرع المراهقون والبسطاء، أو من تجبرهم ظروفهم إلى إرسال الرسائل طمعا في الفوز بحظ نسبته 1 في المليون للكسب. لكن لم تكلف إدارات تلك القنوات سؤال نفسها ماذا ردت للجمهور ولأوطانها من جميل التواصل والتفاعل معها؟ هل أسهمت بنسبة من مليارات أرباحها لجمعيات الأرامل والأيتام والمعاقين؟ هل أنتجت برامج اجتماعية تعنى بمد يد العون للفقراء والطبقات المعدمة وأصحاب الحاجات من المرضى في مجتمعاتها؟ على الأقل بنسبة مما يتم تحصيله من رسائل الجمهور التي تدر على تلك القنوات مئات الملايين. أعجبني أحد البرامج في إحدى الفضائيات وهو من القليل الذي شاهدته في القنوات الفضائية، برنامج لم شمل أسرة منقسمة بين لبنان وكندا نتيجة طلاق الأبوين، ولم تتكلف القناة شيئا؛ إذ كانت المساهمات من مؤسسات وشركات وبنوك قامت بأجمل وأقوى دعاية لنفسها، وقدمت مع تلك القناة أجمل رد لمجتمعها وجمهورها ووطنها، ودمتم سالمين.