رواية (بنات من الرياض) المؤلفة: فايزة إبراهيم تستطيع أن تشتري بها شالا مع قبعة صوفية عليها شعار فريقك المفضل، أو وجبة سريعة، أو مشروبا معتبرا في أحد مقاهي العليا، أو حتى تعبئة سيارتك بوقود يكفي لمشاويرك المرتجلة والمجدولة لمدة لا تقل عن أسبوع. أشياء كثيرة يمكنك فعلها ب18 ريالا، وستكون نسبة التوفيق الإنفاقي فيها متفاوتة، لكنها في كل الأحوال لن تكون أسوأ من احتمال توجهك إلى مكتبة شهيرة لتشتري بمبلغك العزيز كتابا بغلاف أبيض عنوانه (بنات من الرياض)! عزيزي القارئ باعتبار ما سيكون: عظّم الله أجرك سلفا.. تعرف أن الحياة ابتلاءات، وحب القراءة جزء من هذه الحياة، وتعرف جيدا أنك لو توقفت قليلا أمام بائع المكسرات الذي يفترش رصيف المكتبة، فلربما منحك هذا فرصة أخيرة لإحسان التصرف ب18 ريالا؛ لأن الانشغال بفتح الطبقة المحيطة بحبة الفستق الحلبي، لن يكون عملا أقل متعة أو جدوى من تخصيص وقتك لتقشير رواية افتراضية تكتشف لاحقا أنها بلا حبة فستق أدبي أصلا! عزيزي، كنتَ تعرف أن الرواية المحلية تمر بمرحلة تردٍّ غير مسبوق، لكنك لم تكن بحاجة إلى الوقوف عمليا على ذلك وبكل تلك الفجاجة.. كنتَ متفائلا وتبحث سامحك الله عن عمل روائي متكامل، بناء وسردا ولغة، ولكنك فوجئت بمقدمة ثورية تتحدث عن “عبق يزكم الأنوف” وصقور تصطاد الفئران”، وطبعا هذا كله في سياق الحديث عن حب مدينة! دعك من العنوان الذي يتشبث باسم الرواية الأشهر، وخليك انت الكبير”، وتجاوز عن العبارات من نوع (وش فيها أم الشباب تستهبل!) و(ليش انتحرت هالمسترجلة) ص120، ومدى علاقة ذلك بالتصنيف الغريب المكتوب على الغلاف “رواية شبابية”، وفي أثناء بحثك عن عقدة ما، ستجد القراءة تصدمك بالنهايات في منتصفها، موفرة عليك عناء الوصول إليها (لتحرق عليك الفيلم): (هو عموما قد ندم في نهاية المطاف على كل محاولاته وأقواله) ص88، (انتظمت مها في مدرستها الجديدة مع إحدى قريبات سارة التي ستصبح أخت زوج المستقبل) ص99، استمر في القراءة يا صديقي، ليس حبا ولا “تحليلا” لخصائص النص المكتوب أمامك، ولكن “تحليلا” ل18 ريالا ماتوا من أجل صندوق فارغ! عزيزي، ها أنت قد انتهيت، وسأعتبر أنك ما زلت بكامل قواك العقلية، وأقول لك: لو كان الأمر متعلقا بقراءة عمل سطحي فقط لهان الأمر، لكن أن يتسبب ذلك بإصابة ذائقتك بأضرار في أرواح فنها وممتلكات ثقافتها، فهنا يكمن الندم، ولا سيما أنت تعرف أنك لو جمعت بعض قصاصات مجلات الحائط في مدرسة ابتدائية مع قليل من الفواتير وأوراق المقاضي ودفاتر التعبير وطبعتها في كتاب لكان لديك عمل متناسق أكثر من هذه الرواية إذا افترضنا أنها رواية طبعا! عموما، المبلغ الذي دفعته ليس كثيرا بالمقاييس العامة، لكنك لن تشعر بأنه خسارة فادحة كما ستشعر في تلك اللحظة، ستجتاحك حالة من الغبن تتطور لاحقا إلى الرغبة في البكاء، وقد يتطور الأمر لاحقا إلى التفكير في هجر القراءة، لكن للأسف الشديد لن تحرك كل هذه المشاعر أحدا مستقبلا كي يضمن لك معيار جودة ما ينشر أو يضع لك تحذيرا من قبيل “يُمنع اقتناؤها على ضعاف القلوب”، كما أن أحدا لن يفكر في أن يعيد لك 18 ريالا على أقل تقدير، تلك التي لم يكن باستطاعتك في لحظة ما أن تصرفها كما ينبغي! رؤية: هيثم السيد