يدخل الأبناء من زواج المسيار متاهة احتضان قاسية، بين أم ترغب فيهم وأب يرفضهم، وهم بذلك يكتوون بنيران ذوي القربى التي لا ترحم براءتهم، فالأب ينظر إليهم على أنهم ولدوا حين غفلة منه، وذلك يبرر له عدم الاعتراف بهم أو الإنفاق عليهم وتحمّل مسؤوليتهم التربوية، في حين تجد الأم التي غالبا ما تضع الأب أمام الأمر الواقع بهذا الإنجاب، نفسها في زاوية ضيقة من الصراع مع أب ينكر أبناءه. هذا الصراع والمفارقة النفسية والاجتماعية تلقي بظلال سلبية على الأبناء حين يكبرون ويكبر معهم هذا الوضع الذي يهدد قبولهم الاجتماعي، ويدمر نفسياتهم، فهم لم يأتوا إلى الدنيا برغبتهم حتى يجدوا أبا لا يرغب فيهم، وحينها يتحول منطقهم إلى شكل من أشكال السلبية في تعاطيهم مع نمط حياتهم وواقعهم.. “شمس” رصدت هذا الواقع المتناقض الذي يؤزم نفسية أبناء زواج المسيار، ويهدد مستقبلهم، ويشحنهم بكل فكرة قاتمة عن حياة لم يكن لهم دور في اختيارها. زواج وحمل (م.ص)، 32 سنة، تتحدث عن تجربتها بعد وفاة زوجها الأول في حادث سير، وكانت حينها تبلغ من العمر 29 سنة، وإثر ذلك تقدم لها شخص للزواج عن طريق المسيار ووافقت، وبعد فترة وجيزة من الزواج الذي كان شرطه عدم الإنجاب، اكتشف الزوج أنها حامل في نهاية شهرها الأول، وكانت ردة فعله سلبية جدا حيث حاول إجبارها على أن تجهض الطفل بسبب أن الزواج مبني على هذا الشرط وليس بناء أسرة، ولكنها رفضت رغم ضغوطه، وفي نهاية الأمر قدمت الزوجة تنازلات من أجل طفلها الوحيد، ووافقت على أن تتنازل عن ورثها من والدها للزوج. وتروي (ل.م) كابوسها المرعب وتجربتها المريرة التي لا تزال تعض أصابع الندم بسببها إلى الآن بعد فشلها في تحقيق الاستقرار المنشود، وتقول: “قبلت بزواج المسيار بسبب ظروفي القاهرة التي عايشتها، وأولها كبر سني بسبب والدي الذي رفض تزويجي وأنا في عمر الزهور بسبب راتبي، وبعد وفاته لم يتقدم لي أحد إلا عن طريق المسيار، فلم يكن أمامي سوى الموافقة بحجة أن قطار الزواج فاتني، وبعد زواجي بأربعة أشهر اكتشفت أني حامل بالشهر الثالث، ولم تسعني الفرحة من هذا الخبر بسبب حلمي ليل نهار بالأمومة، وحين أخبرته جن جنونه وهددني بالقتل وطلب مني إجهاض الطفل ورفضت وهربت من المدينة التي أسكن بها، وتركت عملي وأنجبت الطفل وهو الآن بلا هوية، عمره سبع سنوات، ولا أستطيع إدخاله مدرسة، ولا إخباره عن والده وواقعه المرير، ولا أعلم كيف سيكون مصيره”. إلى دار الأيتام (ع.م)، متزوج مسيارا، يرى أن لا ذنب له بتركه للطفل من هذا الزواج إن حصل كونه شرطا سابقا عدم الإنجاب، ويقول: “المرأة تريد أن تربط الرجل بطفل، ولا يحق لها أن أصرف عليها وعلى طفلها كون الزواج مسيارا، ولم أقدم عليه إلا لقلة كلفته، وهي التي أرادت الإنجاب، فلذلك عليها أن تتحمل ذنب حماقتها، وبرأيي الشخصي لا توجد مشكلات احتضان بين الزوجين لأن الزوج سيتركها هي وطفلها حال علمه بالحمل”، مؤكدا أن هدف هذا النوع من الزيجات هو إشباع الرغبات الجنسية والعاطفية، وذلك بسبب قلة تكلفته، وعلى من “أنشبت” نفسها بطفل مسيار أن تتحمل تربيته إن استطاعت أو تذهب به إلى دار الأيتام. أما (خ. س) متزوج مسيارا، فيقول: “بكل صراحة أرفض أن يكون ابني من مثل هذا الزواج لعدة أسباب أولها وأهمها انعدام الجدية والنية الصادقة لهذا الزواج، فهو إرضاء للرغبات؛ ولذلك أوجه أصابع الاتهام إلى زوجة المسيار في حال إنجابها رغم الشرط الذي بينهما فعليها تحمل نسبه ومصاريفه وتربيته وذنبه في حال انحرافه عندما يكبر، وباعتقادي أن فكرة الإنجاب ليست صائبة لأنها هي نفسها “الزوجة” لا تضمن حياتها واستقرارها مع الزوج فكيف بالأطفال؟ شرط الإنجاب ويقول علي الحربي: إن أكثر الأطفال من زواج المسيار معرضون للضياع بسبب الإهمال من قبل الأب بسبب الخشية من افتضاح أمره خاصة أنه تزوج بالمسيار، ويحاول قدر المستطاع التكتم على ذلك. ويضيف: “أكثر المتزوجين بالمسيار يفضلون عدم إنجاب الأطفال من زوجاتهم، وهذا من أبرز الشروط لدى بعض المتزوجين مسيارا”. أما تركي الصاعدي فيقول: “إن غالبية زيجات المسيار تتحول إلى زواج رسمي معلن؛ ما يجعل أطفال المسيار ينالون حقوقهم كافة، ونادرا ما تحدث إشكالية في هضم حقوق أطفال المسيار. ويضيف عبدالغفور البلوشي: “المعروف أن هذا النوع من الزواج غير ملزم بالمبيت في بيت الزوجية، ويزور الزوج زوجته وأولاده مرة أو مرتين في الشهر، وأنا أعتبره صفقة تجارية مربحة للرجل وتدليلا له. مسيار الأجانب وتتحدث الخاطبة (أم صالح) عن بعض تجاربها في زواج المسيار منها ما يصدق وما لا يصدق، بقولها: “بعض النساء يطالبن بزواج المسيار رغبة في الأمومة، فتسعى إحداهن إلى هذا الزواج لإشباع عاطفة الأمومة لديها، وإن فاتها قطار الزواج، وتجد في هذا الزواج وسيلة لتحقيق هدف الأمومة، فتطلب من زوج المسيار شرطا واحدا وهو إنجاب طفل، على أن تتحمل جميع مسؤوليات هذا الطفل من تربية أو تكاليف اقتصادية. وتطرح “أم صالح” أنموذجا لموظفة وصاحبة علاقات اجتماعية كثيرة، وحتى لا تفقد هذه العلاقات الاجتماعية، والتي تعودت عليها طلبت منها أن تبحث لها عن زوج مسيار بشرط ألا يسأل عن وقت خروجها أو وقت عودتها، ولا إلى أين تذهب، فوجدت من يحقق لها هذا بزواج المسيار. واستطردت “أم صالح” قائلة إنها تتلقى اتصالات لطلب زواج المسيار كان فيها طالب زواج المسيار غير سعودي يعمل سائقا ويطلب الزواج من سعودية طبيبة مثلا، والسبب في اختياره لطبيبة رفض الرجال السعوديين المقبلين على الزواج للزواج من طبيبة لعدم تقبل أوقات دوامها وبقائها ساعات طويلة خارج المنزل. متاهات الاحتضان عائشة الحربي، المشرفة الاجتماعية توضح أن طبيعة الواقع الذي يعيشه أطفال زواج المسيار واقع في حضانة أم وأب زائر، مشيرة إلى أن الحضانة الكاملة للأم، لأن الأب حين أقبل على هذه الخطوة لم يكن ينوي مطلقا أن يدخل في متاهات الحضانة والاحتضان؛ إذ هو في الغالب يريد امرأة من زواجه وليس أطفالا، أما بالنسبة إلى التهرب من الإنفاق فهذه مسألة شرعية، وليس فيها حق أو غير حق. وتضيف: “أرى أنه لا توجد مشكلات فعلية من الممكن أن يواجهها الأطفال في المستقبل، فكما ذكرت أن الأم تظل تقنع أطفالها بأن الأب مسافر؛ لأنها حين قبلت أن تكون زوجة مسيار وضعت في حساباتها أمورا عدة، فهي ترى أنه لا توجد مشكلات بالنسبة إليها، والواقع يقول إن هؤلاء الأطفال حين يعلمون أنهم أطفال مسيار فإنهم يحاولون أن يدافعوا عن هذا الزواج بطريقة أو بأخرى”. سلوك متذبذب فيما ترى ريم عبدالرحمن، أستاذة علم نفس بجامعة الإمام، أن هؤلاء الأطفال يحيون طبيعة سيئة لأنهم لا يعيشون بين الأم والأب، فهم يعيشون مفارقات سلوكية، لأن الطفل يحتاج لوجود الأب في حياته، وإذا كانت الأم تملك شخصية قوية فهذا لا يكفي؛ لأن الأب عنصر أساسي ومهم في الحياة، لذلك نرى أن سلوكهم عادة ما يكون متذبذبا، وأشارت إلى أن قلة منهم تستطيع السيطرة عليه، أما الأغلبية فيعانون إهمال الأب؛ فلذلك يتأثر سلوكهم، وهؤلاء الأطفال المغلوبون على أمرهم إذا علموا أنهم أطفال مسيار فستكون نظرتهم سيئة للأب والأم، وذلك بتوجيه اللوم لهما من خلال التساؤل.. لماذا أقدما على هذه الخطوة؟ فلذلك نرى أن من أهم العناصر التي تشكل نفسيتهم عناصر اجتماعية، فهم يرون أنهم ضحايا للأب الذي يتهرب من مسؤوليتهم، وأيضا عناصر نفسية لأنهم لا يتقبلون أن يكونوا أطفال مسيار، إضافة إلى عناصر اقتصادية، فهم بحاجة لأب يصرف عليهم. القانون ملزم ويؤكد المحامي سلطان الزاحم، رئيس لجنة المحاماة بالغرفة التجارية بالمدينةالمنورة وجود العديد من القضايا المرفوعة ضد الأزواج الذين تزوجوا بالمسيار، وأخفقوا في إعطاء حقوق الزوجة والأطفال، وألزم الكثيرين بإعطاء الزوجة والأبناء حقوقهما كافة، فالناحية القانونية تلزم بذلك.