يُصاب الكثير من أفراد مجتمعنا بالخجل حين يُطلب منهم مراجعة الطبيب النفسي، ويبلغ الأمر ذروته خلال فترة انتظارهم الدخول لعيادة الطبيب. تُرى ما السبب؟ هناك أمور عدة كان لها دور في إبعاد الناس عن التعامل مع الطب النفسي، منها انتشار التشخيص بالإصابة بالحسد والعين والتلبس بالجان، وانتشار المعالجين الشعبيين، وندرة العيادات النفسية، وعزل المستشفيات النفسية عن المستشفيات العامة، وابتعاد الإعلام عن الطب النفسي، وتشويه صورة المريض النفسي ووضعه في خانة المجانين. كل هذه الأمور وغيرها جعلت كثيرا من أفراد المجتمع يُسقط الطبيب النفسي من حساباته، وأصبح مَنْ يعالج في المصحات النفسية هم من أعيت معهم كل وصفات مدعي العلاج من المشعوذين. إن الطريق إلى تصحيح مفهوم الصحة النفسية ينشأ من أمور، أذكر منها أولا: وزارة الصحة عبر فتح عيادة للصحة النفسية في كل مركز صحي؛ لكي يألفها وينتفع منها الأهالي، دمج مستشفيات الصحة النفسية كأقسام في المستشفيات العامة، زيادة الأطباء والاختصاصيين النفسيين، ليغطوا الاحتياج الفعلي، والتوعية المكثفة المستمرة. ثانيا: وزارة الثقافة والإعلام عبر الحملات الإعلامية الكبيرة للتعريف بالمرض النفسي ومفهوم علاجه، والتوعية النفسية من خلال البرامج التلفزيونية والإذاعية بالتنسيق مع وزارة الصحة للتعريف بالأمراض النفسية وجديد العلاج. ثالثا: وزارة التربية والتعليم من خلال إدراج منهج عن المرض النفسي في مناهج صفوف التعليم؛ حتى ينشأ جيل يعرف أن المرض النفسي مرض كغيره من الأمراض، وأن له علاجا وأطباء. أؤكد مجددا أن الدور الأكبر منوط بالإعلام لتوضيح هذا المفهوم؛ فالإعلام على سبيل المثال ضخَّم مرض الايدز لدرجة أصبح هناك رعب من مريض الايدز، بينما يتعايش الناس بأريحية مع مريض التهاب الكبد الوبائي (ج) على الرغم من أن المرضَيْن لهما طرق العدوى والخطورة نفسها. أرجو من كل وسائل الإعلام إبراز ماهية المرض النفسي ودور الطب النفسي في علاجه؛ حتى تعم الفائدة ونصنع مجتمعا أكثر صحة واستقرارا وعطاء.