كما جرفت سيول جدة الأرواح، فإنها أخذت معها ما يثبت هوية الأحياء الذين نجوا منها، وإذا كانت هذه مشكلة لمن لم يعانوا من سيول أو كوارث طبيعية فإنها معاناة مضاعفة لهؤلاء الناجين الذين لم يشفع لهم ما هم فيه من أوجاع وآلام من سيف البيروقراطية، حيث اصطدم العديد منهم ممن فقدوا أوراقهم الثبوتية بجملة من العوائق تمثلت في إجراءات روتينية من قِبل الجهات المعنية جعلتهم في لهاث وبحث يومي ورحلة متبادلة بين الأحوال المدنية والدفاع المدني، في وقت تساءل فيه العديد منهم عن الآلية الواضحة لاستخراج بدل فاقد لأوراقهم المفقودة وسط ازدحام كبير ساد إدارات الأحوال المدنية في مدينة جدة. هذه الأوراق مهمة لإثبات كثير من الأشياء وإنجاز العديد من الإجراءات، دونها يصبح هؤلاء غير مرئيين، أو لا وجود لهم، وبالتالي هناك شعور عميق بالأسى والإحباط ، تزيد منه بيروقراطية وبطء الأجهزة المعنية باستخراج بدل فاقد لتلك الأوراق، ولحين حدوث ذلك تجف السيول وقدرة هؤلاء على تحمّل تبعات وتداعيات الكارثة التي لن تبرح ذاكرتهم وتسهم مثل هذه التعقيدات في ألا ينسوها مطلقا. الضرر أنواع أثناء جولة ل»شمس» في مواقع استخراج الأوراق الثبوتية المعنية بالتعامل مع المتضررين، يؤكد أبو محمد، كاتب معاريض، أن هنالك العديد من العقبات التي يبثها له ممن يقدم لإدارة الأحوال، وبعضهم يضطر إلى إعادة تعبئة نماذج، مشيرا إلى أن الآلية لاستخراج تلك الأوراق باتت غير واضحة لديهم فبعضهم يتوجه للدفاع المدني، وآخرون يرجعون لتغيير النموذج، ونوع ثالث يرجع بأوراقه باحثا عن الشهود. ويوضح محمد مهدي الأكلبي أنه قدم من المنطقة الشرقية لزيارة أقاربه في جدة، ودهمتهم السيول في حي قويزة وجرفت سيارته التي كان بداخلها معظم أوراقه الثبوتية، مشيرا إلى أنه قدم للأحوال المدنية فطالبوه بإحضار شاهدين، مؤكدا أن معاملة استخراج البطاقة ستستغرق شهرا كاملا لاستخراجها، مضيفا أنه يحتاج إلى بطاقته لأنه مضطر إلى السفر ولم يستطع لأنه لا يملك هوية تمكنه من السفر. من جانب آخر أشار متعب علي الأكلبي إلى أن السيول أضاعت العديد من الأوراق الثبوتية من سيارات الأهالي والمارة، وبدأت مكاتب الأحوال تزدحم بهم ولكن المشكلة في الشهود وتطويل الإجراءات المتواصلة، مؤكدا أن هنالك إجراءات إضافية فيما يخص ضياع جوازات السفر أو أوراق ثبوتية تخص جهات أخرى. ضرر من التأخير تتعدد أشكال المعاناة والهم واحد، انتظار طويل وتعطل مصالح المتضررين، يقول مواطن آخر، فضل عدم ذكر اسمه، إنه يسعى منذ أسبوع للحصول على برنت لأن لديه معاملات وإجراءات تتطلب وجود هويته معه التي فقدها مع مجموعة من إقامات عمال كانت معه لإنهاء إجراءاتها في الجوازات، ولكنها جميعا فقدت ما اضطره إلى المرابطة يوميا أمام بوابات الإدارات الحكومية لاستخراج برنت للمفقودات واستكمال إجراءاته، مشيرا إلى أن هنالك ازدحاما كبيرا في مراجعة بدل الفاقد الذي يتطلب جهدا كبيرا ويستهلك وقتا حتى ينهيها، لافتا إلى أنه يسعى للحصول على هوية له كي يبادر باستكمال إجراءاته الأخرى. وعبر عدد من المواطنين عن أملهم في التسريع بإجراءاتهم في استخراج الهوية الوطنية التي من خلالها يتم استكمال باقي المراجعات الأخرى مؤكدين ل»شمس» تمنيهم بتوفير لجنة خاصة أو موظفين مختصين بمتابعة قضاياهم التي كلما تأخرت فإن ذلك ينعكس بالسلب على استكمال إجراءاتهم الأخرى، فيما يعايش آخرون التعب اليومي من طول الإجراءات، إضافة إلى أن تأخر بعضهم عن السفر كبدهم مبالغ نظير مخالفات مرورية لعدم وجود رخص القيادة بحوزتهم أثناء تجوالهم بالسيارات، حتى إن بعضهم لم يعد يقود سيارته بسبب ذلك، إضافة إلى احتياج كثير منهم لأوراق رسمية مثل جوازات العمال التي تلف بعضها من جراء السيول، ووجهوا نداءهم عبر «شمس» بأن يتم النظر في أوراقهم الثبوتية بسرعة لأن بعضهم لديه دوامات والتزامات، ولديه كذلك إجراءات أخرى ينوي استكمالها في لجان حصر الأضرار، والمالية وغيرها من الجهات الأخرى المعنية بأضرار الكارثة. ارتفاع المراجعين وقد حاولت «شمس» أخذ الرد على تساؤلات المراجعين لدى إدارة الأحوال إلا أن الإدارة امتنعت عن التصريح بحجة أن ذلك من شأن وكالة الأحوال المدنية في الرياض، إلا أن الآلية التي حصلت عليها الصحيفة من قِبل بعض الموظفين والمراجعين أكدت أنه يتم استخراج بطاقة الأحوال خلال يوم أو يومين للمراجعين الذين يأتون بخطاب من الدفاع المدني، في حين أن بعضهم يأتي للأحوال ويعبئ نماذج الطلب وتأخذ معاملته الإجراءات اللازمة من طلب صور وتعميم فقدان إلى آخره، وبالتالي تأخذ المعاملة مجرياتها حدود 28 يوما للبطاقة، ولكرت العائلة 14 يوما، وأضافوا أن العديد من المتقدمين بطلبات بدل فاقد توجهوا للدفاع المدني وتقدموا بخطاب ولم تتأخر طلباتهم إلا أن بعض الطلبات تخضع لإجراءات تأكيدية ومتابعة لبياناتها. وفي خضم الكارثة والتناسب بين حجمها وآثارها، ارتفعت نسبة مراجعي الإدارات الحكومية ككتابات العدل والمحاكم والجوازات والأحوال المدنية والبلديات بعد كارثة جدة، وذلك بعد أن تعرضت العديد من الأوراق الرسمية الثبوتية للفقدان في مياه السيول التي ضربت المحافظة أخيرا، مما رفع درجة الاستعدادات لدى الجهات المختصة من جهة وألقت بظلالها السلبية على المراجعين الذين باتوا على موعد يومي من المراجعات المضنية والمتواصلة في الجهات المعنية لاستخراج بدل فاقد لأوراقهم الرسمية.