لا تتوقف الأضرار التي أصابت سكان جدة المتضررين من كارثة السيول، عند الماديات. بل تتجاوز ذلك نحو الأثر والضرر النفسي الذي قد يصيب بعض الناجين؛ نتيجة أسباب كثيرة، من بينها فقدان الأحباء والأقارب، وكذلك هول الكارثة ومفاجآتها، فضلا عن الخسائر المالية، والتشرد، وإن كان مؤقتا. ومن أجل ذلك، كُلّف فريق من الجمعية السعودية للطب النفسي لكي يقدم الدعم والمساندة والإرشاد وربما العلاج، إلى الناجين من الكارثة، ويرأس هذا الفريق الدكتور محمد شاووش، الذي التقيناه في “شمس”، متحدثا عن الآثار النفسية التي يتوقع أن تصيب مَنْ مروا بتلك التجربة، وكذلك عن دور الفريق وخططه في سبيل تحقيق هدفه. وضْع الكارثة نفسيا يبدأ الدكتور شاووش بوصف الكارثة، بحسب مفاهيم الطب النفسي، قائلا: “إنها تعتبر من الأنواع الشديدة التي يعرّفها علماء الطب النفسي بأنها خارجة عن قدرة الإنسان وتحمله”، وتابع: “من الممكن أن تترك مثل هذه الكوارث أثرا نفسيا على المدى القريب والبعيد على حد سواء، ومن الآثار التي قد تحدث على المدى القريب ما يعرف ب(قلق الكرب الحاد)، وأهم أعراضه القلق والتوتر الشديدان، والشعور بالضيق والكآبة وعدم القدرة على النوم مع نوبات شديدة من الفزع ومخاوف شديدة ومتعددة متعلقة بما حدث”. فوبيا المطر ويضيف: “من الآثار القريبة المدى أيضا الخوف من المطر والرعد ومن الأماكن التي حدثت بها المشكلة، مع تخيلات غريبة وهلاوس، خصوصا سمعية وبصرية تؤدي إلى خلل في كل وظائف الإنسان العملية والاجتماعية، إضافة إلى عدم القدرة على التكيف والتأقلم، ويأتي على رأس المتضررين هنا من فقدوا أفرادا من أسرهم أو ممتلكاتهم”، ويواصل: “هذا الفقدان يؤدي إلى عدد من الحالات، من أهمها الذهول”، ولفت شاووش إلى أن من الحالات التي ينبغي الانتباه إليها، انتكاس بعض المرضى النفسيين المتعافين الذين لهم صلة بالكارثة أو ممن شاهدوها”. الآثار بعيدة المدى وحول الآثار البعيدة قال شاووش: “من المتوقع حدوث ما يعرف ب(قلق ما بعد الصدمة) وكثير من الناس سيتعافون؛ لأن المخ والجسم يتأقلمان ويتعافيان من هذه الصدمات، لكن نسبة منهم سيتعرضون لأعراض نفسية ما بين الخفيفة والشديدة، ونتوقع أنه في حدود 50 في المئة من سكان هذه المناطق سيمرون بأعراض ما بين خفيفة إلى متوسطة، و20 في المئة منهم سيكون لديهم حالات شديدة ومزمنة، وهي المعروفة بما يسمى بقلق الصدمة النفسية، ومن أبرز أعراضه التفكير المستمر بالتجربة من جديد، وتتلخص آثاره في ثلاثة جوانب، الأول استعادة بعض الصور والأفكار المرتبطة بالكارثة مع ظهور كوابيس متكررة متعلقة بالحدث؛ فيصبح الشخص يعيش وكأنه في الواقع الكارثي نفسه، الجانب الثاني، وهو التجنب ويقصد فيه تجنب الأفكار والأفعال والمشاعر المتصلة بالحدث؛ فتشل قدرة الشخص على تحمل سماع ما يتعلق بالكارثة كذلك عدم قدرته على رؤية وزيارة مكان الحدث، وعدم القدرة على الخروج من المنزل، إضافة إلى عدم قدرته على مشاهدة حتى التلفاز لمتابعة ما حدث في منطقة الكارثة. أما الجانب الثالث، فيتمثل في عدم القدرة على النوم والشعور بالغضب وضعف التركيز والشعور بالتحفز ولوم النفس”. مهام الفريق النفسي وعن دور الجمعية السعودية للطب النفسي التي بدأت عملها منذ أربعة أيام يقول شاووش: “شكلنا خمس فرق ميدانية، مكونة من 49 طبيبا ومتطوعا قابلة للزيادة فيما لو تطلب الأمر سنستدعي كل أعضاء الجمعية من بقية المدن”. وحول توزيع الفريق، أوضح: “خصصنا فرقتين للتعامل مع الحالات العاجلة والطارئة وتعمل مع الفرق الميدانية، خاصة لدى الأسر التي فقدت أحد أفرادها، وهناك فريق ثابت في حي السليمانية في المكتب التابع لجمعية مراكز الأحياء، وفريق في مركز صحي حي السامر، وفريق متنقل لبعض الحالات الخاصة ويراعي النساء اللواتي فقدن أزواجهن ويمررن بفترة العدة، كذلك الأشخاص الذين لديهم إصابات تمنعهم من الحركة، كذلك الذين يمرون بحالات نفسية بالغة الصعوبة لا يستطيعون الخروج من منازلهم، هذا الفريق يصل إلى المنازل ويقدم لهم العلاج النفسي”. المستفيدون حتى الآن وعن العدد الذي راجع مقار العلاج النفسي، يقول شاووش: “خلال ثلاثة أيام زارنا ما يقارب 25 حالة، عشر منها لأطفال و15 تعود إلى بالغين، غالبيتهم من النساء، وجميعها من الحالات التي زرناها في المنازل”، وأضاف: “من المتوقع أن تزيد الحالات في الفترة المقبلة، وأود الإشارة هنا إلى أن تلك الحالات في واقع الأمر صعبة للغاية ومؤثرة جدا، وهنا أهيب بالجميع إلى أهمية نسيان عقدة الطبيب النفسي، وهي مع الأسف موجودة في مجتمعنا، لكن الأمراض النفسية تختلف؛ فالحالات التي نتجت من الكارثة تُصنَّف على أنها أمراض عُصابية قد تصيب أي شخص”.