لم يترك بعض متوسطي وربما محدودي الدخل في مصر فرصة الاستحواذ على تأشيرات الحج السياحي لأبناء الطبقة الثرية ومشاهير الرياضة ونجوم السينما؛ حيث لجأ كثير ممن فاتهم (حج القرعة)، الذي تنظمه الداخلية المصرية لأبناء الطبقة الشعبية، إلى الحصول على تأشيرات سياحية لأداء الفريضة هذا الموسم بأسعار عالية، لكن مع تخفيض سعر تذكرة السفر باللجوء إلى البواخر بدلا من الطائرات؛ حيث انطلقت صباح أمس الأول أولى رحلات حج (الفايف ستارز) بمغادرة 800 حاج ميناء سفاجا البحري على متن العبارة (دهب)، بجانب 950 حاجا على متن العبارة (محبة)؛ ليصل إجمالي عدد حجاج السياحة برا حتى 18 نوفمبر الجاري إلى 6400 حاج من إجمالي حجاج السياحة البالغ نحو 30 ألف حاج. وينتظر اشتراك إحدى العبارتين (القاهرة والرياض) للمرة الأولى في موسم الحج هذا العام، وهما عبارتان أهدتهما السعودية إلى مصر ديسمبر الماضي، في احتفالية ضخمة شارك فيها خادم الحرمين الشريفين وشقيقه الرئيس المصري، فيما استبقت هيئة ميناء سفاجا سفر حجاج السياحة بتهيئة الأجواء لحج آمن في ظل الهواجس العالية لأبناء تلك الطبقة من إنفلونزا الخنازير وغرق عبارات في مواسم سابقة للحج والعمرة، حسب عاطف إمام مدير ميناء سفاجا البحري، الذي أكد توافر ثلاث عبارات جديدة لنقل رحلات الحج السياحي، تم تفتيشها بشكل دقيق للتأكد من سلامتها وصلاحيتها للإبحار، بينما عززت إدارة الحجر الصحي الميناء بعدد من الأطقم الطبية والتمريض، ووفرت كميات إضافية من المصل الواقي لإنفلونزا الخنازير. تجهيزات فاخرة وتعكس التكلفة المالية لحجاج السياحة انبهار بعض مشاهير مصر بالوجاهة الاجتماعية خلال أداء المناسك، وبدرجة تميزهم عن الحجاج من ذوي المهن البسيطة البعيدين عن الشهرة والأضواء. وتصل تكلفة الحج للفرد الواحد هذا العام إلى 105 آلاف جنيه في عشر ليال، حسب الإعلانات التي روجت لها حاليا بعض شركات السياحة قبل بدء الموسم، وهي أسعار تفوق تقريبا سبعة أضعاف تكلفة (حج القرعة) الذي تنظمه وزارة الداخلية حسب اللواء إسماعيل الشاعر مساعد وزير الداخلية، الذي قال إن سعر السفر بالطائرة سيكون 11 ألفا و973 جنيها، بخلاف تذكرة الطائرة التي يبلغ سعرها 4210 جنيهات تقريبا، وبالنسبة إلى البواخر فتحدد لها 12 ألفا و98 جنيها، بخلاف تذكرة الباخرة التي تراوحت ما بين 1940 و2520 جنيها، تبعا للدرجة السياحية التي يطلبها حاج القرعة. ويتميز أداء الحج السياحي لهذا الموسم بالفخامة والراحة في أداء المناسك؛ فبالنسبة إلى الإقامة فستكون لهذه الطبقة وضعية خاصة بالنزول في فنادق خمسة نجوم قريبة من الحرمين المكي والنبوي، وخيام مكيفة الهواء في منى وعرفات، بجانب تيسير التنقلات عبر سيارات مكيفة يتم صيانتها بشكل دوري منعا للأعطال المفاجئة، وتقديم وجبات غذائية متنوعة منها المصرية والسعودية؛ حيث لا يشعر الحاج بتغيير كبير في مائدة طعامه اليومية، كما يمكن لمندوبين من الشركات السياحية رمي الجمرات لرجم إبليس بدلا من الحاج حتى يتفادى خطر الزحام! كما حرصت شركات الحج السياحي على إعداد (أسطوانات) حول رحلة الحج وكيفية تأدية المناسك بأشكال مجسمة بدلا من توزيع الكتب التقليدية، وكذلك التوسع في توزيع المصحف الإلكتروني، والتوسع في استخدام (اللاب توب) في صالات السفر بالمطارات، فيما حرصت بعض شركات السياحة على عمل هياكل مجسمة للكعبة والصفا والمروة على طريقة (الفيديو جيم)؛ لتمكينهم من أداء المناسك بطريقة سليمة وتفادي (الدم) الكفارة عن نسيان أحد أركان الفريضة. انخفاض الأسعار ومن جانبه أوضح أسامة العشري، رئيس قطاع الشركات والمحال السياحية المشرف العام على رحلات الحج والعمرة بوزارة السياحة المصرية، أن الوزارة بالتنسيق مع شركات السياحة ووزارة الحج بالسعودية اتخذت الترتيبات كافة لتقديم خدمة أفضل وسعر أقل لحجاج السياحة. مشيرا إلى انخفاض سعر الحج السياحي نحو 25 في المئة مقارنة بأسعار الأعوام الماضية، فيما تحرص شركات السياحة الكبرى بمصر على جذب مشاهير الدعاة الجدد مثل عمرو خالد وخالد الجندي ومصطفى حسني والدكتورة عبلة الكحلاوي، بجانب بعض الفنانات المعتزلات لمصاحبة الرحلات، لكن غالبية الدعاة والفنانين لا يتقاضون مكافآت مالية عن مصاحبة الرحلات، ويقتصر الأمر على تحمُّل الشركة التي دعته تكاليف الرحلة شاملة إقامته والتنقلات، بينما يستغل بعض الدعاة تلك الدعوات في تنفيذ برامج متلفزة من الأماكن المقدسة عن الحج مثلما فعل الشيخ الشاب مصطفى حسني بإعداد (الكنز المفقود)، وعمرو خالد في برنامجه (قصص القرآن). أخطاء النيات وأمام تزايد نفقات الحج سواء للسياحي أو القرعة أو الجمعيات الأهلية يرفض علماء المؤسسة الدينية في مصر ظاهرة (تكرار الحج)؛ حيث يتصور البعض أن الحج والعمرة أشبه ب(صكوك الغفران) التي كانت تمنحها الكنيسة الأوروبية في العصور الوسطى للمذنبين، مؤكدين أن الإسلام ليس به مثل هذه التصورات الخاطئة، وأن بعض فئات المجتمع (الراقي)، الذين يمارسون بعض الفواحش، يعتقدون أن الحج سيغفر تلك الفواحش ثم يعودون الموسم المقبل لغفران ما تم بعد حج الموسم الماضي! حيث أكد الشيخ محمود عاشور (وكيل الأزهر السابق) أن هذا لا يجوز شرعا، ويتنافى مع تعاليم الإسلام، كما لا يجب على غير المستطيع أن يقترض أو يعطل زواج ابنه أو ابنته مثلا لتكرار الحج أو العمرة؛ لأن الحج واجب على المستطيع؛ حيث تؤكد الآية الشريفة ذلك في قول الله عز وجل {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا}. وقال إنه لا يجب على الإنسان الحج إذا كان عليه دَيْن؛ فكيف إذا استدان ليحج؟! مشيرا إلى أن استدانة من يرغب في أداء فريضة الحج أمر غير جائز شرعا.