قد تبدو لأول وهلة امرأة عادية، غير أن رئيفة التركماني، الفتاة السعودية التي لم تتجاوز بعد عقدها الثالث، تشغل وظيفة كانت إلى عهد طويل حصرا على الرجال. في تمام السابعة صباحا، تستيقظ رئيفة؛ لتنطلق إلى منصبها الذي قد يثير جدلا طويلا، إذ تتبوأ منذ عام 2006 منصب المدير العام لشركة سمايا المملكة ونائبة رئيس مجلس الإدارة للتنسيق والتخطيط في مجموعة غسان النمر. وبات من المألوف في السنوات الخمس الأخيرة رؤية امرأة تتقلد منصب المدير العام لشركة سعودية وتدير مجموعة من الموظفين الرجال، وهو الأمر ذاته الذي كان بعيد المنال في السنوات السابقة. بيد أن دخولها المرأة السعودية معترك الحياة العملية من بوابة الإدارة خلق صراعا خفيا من نوع آخر يدور رحاه بين المرأة الأنثى والأنثى المديرة من جهة، والمجتمع والأنثى المديرة. محور هذا الصراع هو كيفية إثبات وجودها وكفاءتها وقدرتها على الوصول بالشركة إلى بر الأمان وتطوير آليات العمل فيها، فضلا عن ظهور المقارنات بين الإدارة الرجالية والنسائية من ناحية الأفضلية والكفاءة وغيرها من الأمور التي ترجح كفة جهة على الأخرى. قبل وصولها إلى المنصب، تدرجت رئيفة التركماني وظيفيا في مناصب عدة بشركة أرامكو السعودية فترة من الزمن قبل أن تقرر الخروج إلى الحياة العملية الخاصة، بوصفها سيدة أعمال تؤسس وتدير أعمالها بذاتها. كان الخيار الأول بالنسبة إليها هو إنشاء مشروع خاص بالقطاع الصناعي، إلا أن صعوبة وجود المرأة الدائم في المشاريع الخاصة بالقطاع الصناعي تحديدا أبعدها عن هذا التوجه، إلى جانب صعوبة حصول المرأة على تصاريح دخول المناطق الصناعية وصعوبة المفاوضة والنقاش ودخولي كامرأة للإدارات التابعة للقطاعات الحكومية غير المهيأة لاستقبال النساء جعلني أتجه نحو العمل ضمن منظومة اقتصادية يديرها رجل. وتصف التركماني نفسها بأنها “من المديرين الذين يسلكون استراتيجية القائد، التي تسهم في التخطيط ورسم ملامح السياسة الخاصة بالعمل في الإدارة”، فيما لا تؤمن باستراتيجية المؤدي أو التبعية التي تظهر بجلاء في آلية الأداء. لكن ماذا عن تقبل المجتمع لمديرة أنثى في كبريات الشركات؟.. تقول تركماني «إن أمرا كهذا كان غير مقبول بتاتا قبل خمس سنوات، لكنه بات أكثر سهولة وسلاسة حاليا، علاوة على تقبل الأهل والمجتمع للعمل في بيئة مختلطة، وهذا الأخير أكبر معيق قد يواجه المرأة العاملة بمختلف مناصبها”. وتضيف: “المسألة تحتاج إلى شيء من الوقت حتى يتعود المجتمع والأسرة على الوضع الجديد وهو الذي يسهم في إذابة جبل الجليد الذي تصطدم به غالبية النساء، وهو أمر يقاس به مدى جدية المرأة وقدرتها على المقاومة؛ إذ تنسحب كثير من السيدات بمجرد اعتراض المجتمع والأهل لهن”. لكن الطريق لم يكن مفروشا بالورود، فيما يبدو؛ إذ اعترضت مشوارها كثير من العوائق الأخرى، التي تشير إليها: “لا تنسي عدم وجود آلية واضحة لعمل المرأة وكيفية تفعيلها وعدم وضوح طريقة تعاملها مع الإدارات الحكومية وإدارات المشاريع، على الرغم من وجود أنظمة وقوانين تخدم المرأة، إلا أن الآلية غير مطبقة”. اليوم تدير رئيفة أكثر من 28 موظفا تابعين للشركة، إضافة إلى 375 موظفا آخرين من الجنسين تابعين للمجموعة ككل. لم تكن المهمة سهلة، ولا سيما وهي تدير كل هذا العدد من الذكور ذوي التفكير الشرقي، وأوضحت التركماني: “في البداية لم يكونوا يحسبون لي حسابا كالرجل، لكنني أثبت قدراتي وتمكنت من خلال تعاملي وإظهار حرصي على حقوق الموظفين، وهو بالمناسبة أقصر الطرق لكسب ولاء الموظف، إضافة إلى عدم الاستهانة بفكر الموظف وإلمام المديرة بجوانب العمل كافة، من دون أي ثغرات من كسب احترامهم؛ لأن وجود أي ثغرة يعطي الموظف انطباعا بأنه الأفهم والأقدر من مديره في العمل، وهذا أكبر خطأ يؤدي إلى التقليل من احترام وهيبة المدير أمام موظفيه”. وعلى أيٍ، لا يبدو أن مقاييس السيدة المديرة لإنتاجية موظفيها لا تختلف كثيرا عن زميلها المدير الرجل؛ إذ تعمد التركماني إلى تقييم موظفيها من خلال “جودة الأداء في العمل والتزامهم وانتظامهم، إلى جانب سرعة التفاعل، أي تفاعل الموظف مع المهام الموكلة إليه”. وعن أبرز الميزات التي لا بد أن تتصف بها المديرة الأنثى، تقول: “الوضوح والشفافية في القول والعمل، إلى جانب إعطاء مساحة للآخرين والاستماع إليهم وفق حدود يجب مراعاتها والقدرة على اتخاذ القرارات. ثمة أمر مهم أيضا هو أن تحصد التميز وتكون القدوة لموظفيها، علاوة على المؤهل العلمي والخبرة التي تغطي في أحيان كثيرة ما يعجز عنه المؤهل العلمي”. وحول مزاجية المرأة التي يفرضها تكوينها الفسيولوجي، وأثره في عملها قالت التركماني، التي بدت غاضبة بعض الشيء: “أولا أنا أرفض هذه التهمة التي أُلصِقت بالمرأة ظلما. لا يمكن أبدا أن نلحق هذه الصفة بالمرأة دون الرجل، لكن في العموم إدخال العواطف والمزاجيات أروقة الشركات يعد بداية النهاية للمدير والمديرة، على حد سواء”. على أية حال، يظل تقبل الرجل، وحتى المرأة، لإدارتهما من قبل أنثى موضوعا شائكا، لا يمكن الوصول فيه إلى جواب مقنع. لكن مستشارة في التنمية البشرية والاجتماعية والنفسية ومدربة عالمية، هي الدكتورة شيخة العود، تجزم بأن لدى المرأة “كل الإمكانات لقيادة أعمالها الإدارية، فيما لا يمنعها تكوينها الفسيولوجي من مزاولة الأنشطة الإدارية، وأوضحت: «أكدت كثير من الدراسات الطبية، أن المرأة هي الجنس الأقوى لمزاولة العمل الإداري؛ لتوافر هرمون الأستروجين المقاوم لأمراض القلب، وأن المرأة أكثر تحملا للمشاق والآلام، كما أن تفكيرها يشغل جميع مخها، أما تفكير الرجل فينحصر في منطقة معينة من المخ”. وأضافت: “حسب منظور علم النفس أيضا لا يوجد دور للجينات في تفوق الرجل على المرأة في الإدارة، بل يثبت أن المرأة أفضل لتولي الإدارة قياسا بقدرتها على فهم التفاصيل وتفحصها، أما نظرة الرجل فتكون شمولية. أما القول بأن تكوين المرأة الفسيولوجي يعيقها عن أداء مهامها، فهذا انطباع العادات والتقاليد فقط”. تخالفها الرأي سيدة أخرى، هي عهود جاسم (باحثة تقنية تعمل تحت إدارة نسائية منذ خمس سنوات)؛ إذ تعتبر أن حسم الأمر “يرجع إلى العقليات التي تدير الشركة وتختلف من سيدة إلى أخرى”. ويبدو أن لدى عهود تجربة مريرة من السيدة المديرة؛ إذ تستشهد بعملها فترة من الزمن تحت إدارة نسائية في إحدى دور الأزياء، واعترفت: “عانيت خلال هذه الفترة الأمرّين؛ لأن روح المنافسة لم تكن عملية على الإطلاق”. وداعا للديكتاتورية في المقابل، يعتبر أمين رامس، (قيادي يعمل تحت إدارة نسائية)، أن تعامل (المديرة) معه ومع الموظفين: “مريح جدا ويميل إلى التعاون والأخوة”، ويذهب رامس شوطا أبعد حين ينادي ب“انتشار ظاهرة السيدة المديرة على أوسع نطاق” بحكم تأييده للإدارات النسائية من واقع تجربته الفردية. وعن أبرز الفروقات بين الإدارة الرجالية والنسائية يقول: “عنصر الحزم لدى الإدارة الرجالية واضح جدا، على عكس النسائية التي تمتاز بالمرونة أكثر بحكم عاطفة المرأة؛ إذ إن الإدارة لا بد فيها من الجانب الإنساني وهو ما يميز المرأة، خاصة أن معظم المديرين الرجال يمتازون بالديكتاتورية”. خشنة مع النواعم سكينة طاهر، الموظفة في شركة خاصة للكمبيوتر والتقنية وتعمل في قسم تتولى إدارته امرأة، لها تجربة أدت إلى حكم مختلف نوعا ما قالت فيه: “على الرغم من حسن أخلاق مديرتنا مع زملائها وزميلاتها في التعاملات العادية، إلا أنها في أمور العمل تبدي خشونة وقسوة في التعامل مع الموظفات، مقارنة بتعاملها مع الزملاء الرجال، على الرغم من علاقتها الطيبة مع جميع زميلاتها الفتيات، إلا أنها مع كل خلاف أو خطأ من قبل إحدى الموظفات تظهر بشخصية أخرى وتتعامل معها بقوانين صارمة، غالبا لا تطبق في تعاملها مع الرجال الذين تغفر لهم أخطاءهم وتعطيهم فرصة للتصيح، رغم عدم تقبل الكثير منهم لها كمديرة عليهم”. وتلفت سكينة النظر إلى زاوية في غاية الأهمية: “بعض الزملاء لا يحترمون المديرة لمجرد كونها امرأة ويتساوى في ذلك الزملاء والزميلات. هذه حقيقة لا بد من التطرق إليها؛ فقد لاحظت خلال التعامل اليومي قلة ثقة وحنقا وغيرة من المرأة الناجحة في عملها من قبل زملائها وزميلاتها على السواء، وكأن الجميع لا يرغب في نجاح المرأة في العمل يتساوى في ذلك الرجال أو النساء”.